مقالات ليث البحرين في ٢٠١٢-شهر-٥


جرح الزمن




لكل أم شهيد ترى الدموع تنهمر بدون مقدمات، ولكل أم معتقل ترتفع الأكف بالدعوات، فترى التبجيل والتقدير وتقبيل الجباه من علامات احترامها وتقديسها لما قدمته في سبيل الله ومن أجل الوطن.

ولكل ابنة شهيد أو كريمة معتقل محبة خاصة بالقلوب، فالناس تتشرف بخدمتها وتحفها الأرواح العطرة من كل جانب وترتفع لها الدعوات فهي ابنة من ضحى في سبيل الكرامة. وكذلك أخت كل معتقلٍ وشهيد، لها ترنو النساء كمثال يحتذى بالصبر والثبات، فما قدمه أخوها للشعب حري به تقديره وتقديرها إكراماً وإجلالاً لمكانته السامية.

والفن الثوري يفصل ذكر والدة الشهيد وابنته وأخته بشئ من التفصيل، فالوالدة هي من ربته وترعرع بين أحضانها فارساً هماماً لا يهاب الموت في طريق الحق، والابنة سواء كان والدها مسجوناً او شهيداً فهي في حكم اليتيمة لما تقاسيه من آلام ابتعاد قدوتها ومربيها، وأما الأخت فهي الفارسة الشجاعة التي وقفت مع أخوها وعائلته وأعانته وتعينه على جراحاته لتضمدها بدموعها وصبرها العظيم.

بينما يتم ذكر الحلقات الثلاث المضيئة من الحرائر اللائي يحطن بالشهيد بشئ من التفصيل والتكريم، فغالباً مع بالغ الأسف يتم إغفال حلقة مهمة وقد تكون الرئيسة في حياة المعتقل أو الشهيد، إنها زوجته أم أطفاله التي تفقد عنفوانها بمجرد فقدان شريك حياتها.

فقرينة المعتقل السياسي تعاني الأمرين مما لا يمكن وصفه من ألم ولا يُطاق تحمله من مشاق بسبب غياب زوجها، فمن الصعوبات البالغة انها تفتقده في سكونها وحركتها، فوجوده محوري في حياتها التي تنتقل من الاستقرار إلى الانهيار الكبير والضياع لتحملها أعباء فوق طاقتها فتراها تعمل لتكسب قوة يومها بجدٍ وصبر، وتعود من العمل لتباشر مهامها المنزلية من تدريس للأطفال وتربية لهم، ومن تلطيف الجو لهم والتخفيف من معاناتهم وتعبهم، فتلقي على عاتقها جبالاً من الهموم والمشاكل لتجعلهم في استقرار عاطفي هي تفتقده، فتعطي ما لا تملكه وهو سخاء لا مثيل له في عالم التضحية والمثابرة.

وتستمر معاناة زوجة المعتقل وتتواصل بمواجهتها لنظرات الشفقة والعطف من الجميع مما يلزمها أن تصبر كي لا تنكسر، وصبرها هو من يحملها على الذهاب لزيارة زوجها وهو مُكبل ومُهان ومُعذب في السجون، تدخل السجن رافعة ً لرأسها بشموخٍ ملؤه المقاومة والكبرياء وهي تخفي شوقها لنظرات من تفتقده وهو من كان يمسح للأمس القريب عنها همومها ويشاركها صعاب الحياة.

ولزوجة الشهيد فاجعة ما بعدها فاجعة، معذبة ومنكوبة ومجروحة بجرحها الذي لن يندمل، فزوجة المعتقل يرجع لها نبض الحياة بمجرد رؤيته، فكيف بمن شريك حياتها فارقها للأبد ورحل ولن يعود، وإن كانت صابرة محتسبة فعليها القيام بتربية صغارها لتقوم بدور الأب والأم وهي منكسرة الجناح بلا حاميها منزوعة الروح بلا من شاركته كل صغيرةٍ وكبيرة في حياتها.

فهذي زوجة الأسير تخاطب من غيبته القضبان بأنينها: ارجع لي فلقد حن قلبي لمرآك، ارجع لي فأطفالي قطعوا نياط قلبي شوقاً لرؤياك، ارجع فقد كبرت في كل يوم عاماً كاملاً أقاسي غيابك ووجع عذاباتك وأنا عاجرة عن دفع آلام التعذيب عنك، ارجع فالنوم قد جافى عيوني مذ غبت عني فهل لك أن تعود لينبض قلبي المثخن بالجراح بنبضه الحنون من جديد؟.

وتلك إمرأة الشهيد تناغي حبيبها وهي واقفة على قبره، حاملة لصورته، بيدها اليمنى أطفاله واليسرى قميصه تشمه وتلثمه: عزيز قلبي إن غيابك قتلني من الوريد للوريد، جعلني تائهة في ملمات الحياة، أوَ ترضا أن أموت كل يومٍ مرتين، مرة حين أصحو فلا أراك بجانبي ومرة حين اخرج مع اطفالي فلا اراك توصلهم الى مدرستهم ولا من أحدٍ بعدك يلعب معهم ويمسح عني وعنهم الضيق والألم، كيف لك أن تقسو وترحل ولما يحن بعد أوان الرحيل، ذهبت للخلود والنعيم وتركتني للحزن والألم صابرة راضية بقضاء الله لعلي بذلك أوفي لك حقك علي في هذه الدنيا الفانية.

ألا ساعد الله قلوب زوجات الشهداء والمعتقلين، ساعد الله قلوبكن الطاهرة وأرواحكن الصابرة، كأني بإحداكن تجلس من نومها صباح كل يوم لترمق بدمعةٍ خفيةٍ شطر محل نوم زوجها، ترمقه بعبرةٍ مخنوقة لا تعلم كيف الوصول لعودته وهو المقيد بسلاسلهم المعذب بسياطهم أو المدفون تحت أطباق الثرى، فجرح زوجات الشهداء والمعتقلين جرحٌ كبير عصيٌ عليه أن يندمل، فجرحهم باقٍ ومهما حدث لن يتبلسم وإن عاد المعتقلون سالمون لأسرهم، فالجرح وافرازاته مستمرة باقية ما بقي الدهر، إنه "جرح الزمن".

ليث البحرين
اهداء لزوجات الشهداء والمعتقلين
٢٦-٥-٢٠١٢

إذا استيأس الرسل


إن من سنة الله في خلقه تداول الأيام بين الناس، فلا توجد أمة لها الخلود ولا توجد قبيلة لها الغلبة، فمن كان سيداً بالأمس يصبح غداً ذليلاً والعكس صحيح، فكم من أمةٍ أعطاها الرب بسطة في الخلق وقوة بالجسم قد أفناها واستخلف من بعدها قوماً آخرين.

ولكي يثبت الله الحجة على البشرية بمختلف انتماءاتها وتنوع مبادئها وأعراقها، أرسل الأنبياء والمرسلين مبشرين ومنذرين لينذروا من لم يتم إنذارهم من جهة وليبلغوا رسالات وأحكام خالقهم من جهةٍ أخرى، حتى يأتي الله بوعده بنصرة الأنبياء وهزيمة الظالمين.

ولكن لحكمة إلهية وفي ابتلاء عظيم للأنبياء فإن الله يمهل الظالمين المعتدين كثيراً، فيذرهم في طغيانهم يعمهون، لدرجة وصول الكثير من أتباع الرسل لمرحلة الشك في حقيقة الدعوة ودخول الريبة للقلب بسبب عدم نزول البلاء على من ظلموا المؤمنين من الذين كادوا لهم وأذاقوهم صنوف العذاب، فترى الرسل محاصرين بكم هائل من الشك والخذلان ولا يبقى معهم إلا من أتى الله بقلبٍ سليم وهم القلة النقية التي لا شائبة فيها.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).

ويصل الامر احياناً كما ذكرت الآية الكريمة ان يصل بعض الرسل المعصومين من الخطأ لمرحلة الشك في جدية العذاب، وهذه المرحلة يصلون لها بعد رحلة صبر لا مثيل لها ومعاناة في سبيل الدعوة لله عز وجل، ولكن وصولهم لهذه المرحلة لا يعني الخدش بعصمتهم بمقدار ما تعنيه الآية من درجة الألم الكبيرة التي وصلوا إليها بسبب قلة الاتباع وجراحات التخوين والتجهيل التي تصل لحد وصف النبي بعد عمرٍ من الدعوة والرشاد أنه مجنون يهجر لكبر سنه أو ساحر كذاب فيضرب ويعزر وهو حبل الله المدود للناس.

ورغم ذلك ينصر الله المرسلين نصراً عزيزاً مقتدراً يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فينجي من العذاب من يستحق النجاة ويدخل الباقين في خلود الجحيم.

هذه حال الرسل مع الصبر في سبيل الله ودينه وعبوديته، وهم المتصلون بالسماء وحياً وفكراً ومنطقاً، فكيف بحالنا ونحن المذنبون المقصرون في عبادة الخالق، أليس منا مرتكب المعاصي ومنا من ينصب نفسه ولياً للأمر وهو رمز للكذب والذوبان في الملاهي، كيف لبعضنا ان لا ييأس ويرهق ويتعب ويرى الافق أمامه مظلماً لا نور فيه.

هنا وهنا فقط يحب ان نشعل شمعة النور في طامورة اليأس والتعب، لنعيد عجلة الدوران لكثير من القلوب التي أرهقتها آلام الصبر على فراق الاحبة ومنهم الشهيد ومنهم الاسير، منهم من فقد عينه ومنهن من حملت من سفاح، ومنهم من اغتصبوه ومنهم من عوقوه، كل هذه الجراحات التي لا حصر لعددها وعذاباتها صبت جام ألمٍ ضخم فوق رؤوسنا فتخاذل الكثيرون وفقدت ثورة ١٤ فبراير زخمها الجماهيري ودليل ذلك تراجع عدد الحاضرين في المسيرات التي باتت متكررة مملة في الكثير من الأحيان.

وحالة التعب والجنوح التدريجي لليأس حالة انسانية طبيعية كاذب من يكابر وينفيها نفياً قاطعاً، ولكنها ما تفتأ أن تكون وقود للنهوض مجدداً نحو مجابهة كل معوقات الحياة للوصول للأهداف السامية للحراك الانساني الأخلاقي.

وبثورتنا هناك الكثير من الأحداث التي لو تمعنا بها لإزددنا إصراراً وشعلةً وحماساً لن ينتهي إلا بإسقاط نظام القتلة، اسمحوا لي ان أطلق عليها "آيات الانتصار"، وهي كما سأذكره في النقاط التالية:

١- استمرار اغلاق ميدان الشهداء: فمجرد وجود الجيش لهذه اللحظة وإغلاق النظام الكلي للميدان ووضع الأسلاك الشائكة حواليه مع نقاط التفتيش، كل ذلك يكفي دليلاً ان الشعب منتصر رغم تكالب تحالف دولي سعودي-أمريكي-خليفي عليه للقضاء على ثورته ورغم ذلك فشلوا لهذه اللحظة وسيفشلون، وسيبقى اغلاق محيط الميدان وتحريم أرضه دليل الفشل الكلي لكل أعداء الحرية والكرامة.

٢- إعمار المساجد المهدمة: فبعد حملة الهدم التي طالت اكثر من ٣٥ مسجداً يذكر فيها اسم الله، جاء امر العم سام للعائلة الخليفية علناً وفي خطاب متلفز للرئيس الامريكي باراك اوباما بوقف هدم المساجد بالبحرين والسماح للشيعة بإحياء شعائرهم، فتوقف الهدم عند العدد المذكور وانقلب سحر التكفيريين عليهم، فأصبح آل خليفة ومواليهم لعنة في ألسن المؤمنين بالدنيا ولهم خزي وعذاب الآخرة لإرتكباهم أبشع الجرائم التي يندى لها الجبين، وبدأ الشعب تدريجياً الصلاة في اغلب المساجد المهدمة وكذلك في بنائها فكان اول المساجد التي اعيد تشييدها وافتتاحها هو مسجد الصحابي الجليل سلمان الفارسي في بلدة راية العز "نويدرات الصمود". ولن ينفع النظام حملة المليون مصحف لتبييض صورته المعتمة فحرق مرتزقته لكتاب الله أكسبهم عاراً لا نظير لقباحته.

٣- الوحدة الوطنية: وهذه من اهم مكتسباتنا خلال عام ونيف من الثورة، فترى الاسلامي والعلماني، الشيعي والسني، البحراني والهولي والعجمي، السافرة والمحجبة، المثقف والعامل والطبيب والمهندس، كل أصناف المجتمع متحدة ومتفقة على ضرورة التغيير وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه بعيداً عن العبودية والذلة والتبعية العمياء لنظام آل خليفة، وهو الأمر الذي إفتقدناه منذ الحركة الوطنية في خمسينيات القرن العشرين ولكنه عاد لنا ببركة دماء شهداء الثورة.

٤- خلق قيادات شبابية ابداعية للتغيير: وهي من مكتسبات الوطن الكبرى، فعصيان الكرامة وبنك الكرامة وطوق الكرامة وغيرها من الافكار هي ابداعات خالصة من شباب البحرين، الذين ابدعوا ايما ابداع في شتى المجالات، فكانت الثورة كالاعصار الذي فجر هذه الطاقات فأفرزت لنا المصورين والمنتجين والكتاب والشعراء والمثقفين والمحللين والمسعفين، كل ذلك بفضل هذه الثورة وهو انجاز كبير جداً سيستفيد منه الوطن في بناء مستقبله.

٥- شرعنة وسائل الدفاع المقدس: وهذا انجاز كبير آخر تحقق بفضل ثورتنا المباركة، فما كان يعتبر قبل الثورة تخريب وارهاب وعنف غير مبرر من الشباب لإغلاقهم الشوارع بالاطارات المحترقة واستخدام وسائل الدفاع المقدس كالمولوتوفات وما شابه، بات في العرف الشعبي من مبادئ الجهاد والتضحية، وباتت له حاضنة شعبية كبيرة تتفهم لجوء الشباب لهذه الوسائل دفاعاً عن النفس، وهو ما يعني فيما يعنيه تبدل نوعي في خط التصعيد الثوري ونقطة ارتكاز لكل تحرك نوعي مستقبلي من شأنه زلزلت كراسي الحكم الخليفي.

هذه النقاط الخمس وغيرها الكثير هي دليل انتصار الشعب البحريني على قاتليه، وهي دليل الصمود رغم التراجع بالساحات، فهي ليست إلا استراحة للكثير من المحاربين قبيل الهبة العاصفة التي ستحقق لنا مرادنا ومطالبنا العادلة، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون لو كنتم مؤمنين.

ليث البحرين
١٢-٥-٢٠١٢




نذر يا أم البنين

فاطمة، هي تلك الحوراء الانسية، أم ابيها، ابنة المصطفى وزوج المرتضى وأم سيدي شباب أهل الجنة، انها بضعة المختار التي قضت ظلماً ودفنت سراً فما سار في تشييعها أحد مع بعلها علي إلا ملائكة الله المقربين، وحيداً يجوب الدرب والناس نيام ويدفن زوجته وهم لا يعلمون برحيلها، هناك في مدينة رسول الله بعد أقل من ثلاثة اشهر على رحيله للرفيق الاعلى.

صبر علي على مصابه وهو قلعة التضحية وأمير الاحرار ومدرسة الصمود والاصرار، صبر وفاءً لدين ربه ووصية نبيه له بالثبات والحلم رغم الجراحات حتى يستقيم للدين مكانه ولا تذهب ريح المؤمنين بتفرقهم وتشتتهم.

سار علي في ركب الاسلام مضحياً بنفسه وماله وعياله واحداً تلو واحد، وفاقداً لأركان جيشه وعدته وصحبه حتى عاد وحيداً من بين اقرانه وقضى في محراب مسجده وهو ساجداً لربه، تاركاً عبأ ً ثقيلاً جداً على الحسنين يتحملاه وهما يعلمان جيداً انهما سيحارَبان حقداً وبغضاً لأبيهما.

ومضى الحسن فيما سار فيه والده، جرح بعد جرح وسهم بعد سهم، حتى أحرِقت خيمته وضرب بالخنجر في فخذه شقها للعظم، وسرقت عمامته ولامة حربه وخانه ابن عمه وقائد جيشه عبيد الله بن العباس فسالم الظالمين حفاظاً على البقية الباقية وتأجيلاً للمعركة الفاصلة بين الحق والباطل حتى حين. وما كفاهم ما جرعوه الحسن من عذابات تزول من ثقلها الجبال الرواسي، فسموا كبده الذي افرغه من فمه قطعة ً قطعة وأخضر لون جسده وبعد موته رشقوا نعشه بالسهام المسمومة فدفن وجثمانه يقطر دماً لا لذنبٍ أذنبه إلا إنه ابن علي المرتضى.

وجاء من بعده الحسين فكان لا يوم كيومه في كربلاء، مقطع الاعضاء داست عليه الخيول وكسرت اضلاعه وهرسة عظامه وقُطع رأسه وخنصره وسبيت نساءه وذريته وكاد نسله أن ينقطع لولا الحكمة الالهية ببقاء السجاد عليلاً حاملاً راية النور رغم ظلمات الدنيا المحزونة على مصائبه التي لا مثيل لآلامها وجراحاتها العميقة.

كل ذلك تم ومضى والزهراء والدة الحسنين وزينب غائبة بعد وفاتها وهم صغار، تركتهم مظلومة مضطهده وهم بلا ذنبٍ لهم يخسرون منبع الحنان والأمومة في حياتهم، حتى عوضهم الله بأمٍ حنونٍة عظيمة اسمها فاطمة، إنها بنفس الاسم وبنفس الروح الأبية المعطاءة، فكانت نعم المربية وكانت نعم المحتضنة لآلامهم وأحزانهم.

وفي يوم زواجها طلبت من الكرار ان لا يناديها باسمها كي لا ينجرح ابناء الزهراء ويتذكرون والدتهم، وحين ولادتها بالعباس نذرت ان تقدمه غوثاً وذخراً وسندا وحمايةً دون الحسنين، فرزقها الله بثلاث ابناء آخرين نذرتهم جميعاً في خدمة ابناء فاطمة الزهراء وقد بشرها امير المؤمنين بشهادتهم فخرت لله ساجدة طالبة منه ان يكتب لهم مسك الخاتمة.

وحل يوم عاشوراء الذي انجلت ساعاته الرهيبه عن مقتل ابناء فاطمة الاربعة، وكان للعباس فيه اعظم ابتلاء بقطع كفيه واصابة عينه ونزفه لدماغه على كتفيه مضحياً بروحه فداء لأخيه الحسين فبات مضرب الأمثال بالنخوة والرجولة وصلابة الايمان، فمن لا يذكر موقف العباس وماء الفرات يداعب قدميه مغترفاً ليشرب منه ويطفي نار الظمأ بين احشاءه، ولكنه لم يشرب، القاه وعيناه تدمع دماً فجسده العطشان ليس به قوة ليذرف الدموع، لقد رمى الماء وهو يملكه مزمجراً:
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنتِ أن تكوني
هذا الحسين شارب المنـونِ
وتشربــــين بارد المعـــينِ

اي مكانة لك في قلب الرسول وفاطمة يا ام البنين، لقد اوفى رجالك الاربعة البواسل الذين ربيتهم على طاعة ابناء الزهراء بنذرك فقضوا تحت راية الحسين على فيافي كربلاء.

لله درك يا فاطمة يا أم البنين، لقد حزت الشرف من كل مجامعه وما قصرتي في خدمة بيت رسول الله فكنت وما زلت وستبقين علماً ومدرسة ً للفداء في سبيل العقيدة وفي سبيل الحرية، فلقد نهلت منكِ امهات شهدائنا روح العطاء والتضحية، منهن ام يوسف موالي التي ودعت ولدها بعد ايام العذاب بدون غسلٍ او كفن، منهن ام الشهيد احمد اسماعيل التي مسحت جسد ولدها بالورد والدموع تقول ما قالته زينب في كربلاء (اللهم تقبل منا هذا القربان)، ومنهن ام الشهيدين العليين الشقيقين اولهما قضى تحت مركبات المرتزقة والآخر جنيناً بغازات حمد السامة القاتلة فصح لها لقب ام البنين في ثورة الكرامة في بلدي المحتل البحرين.

فسلامٌ عليك يا ام البنين، والسلام على ارواح اولادك الشهداء الاربعة، ونعاهدك ان نمضي في خط التضحية ما حيينا، فهو نذر نذرناه للخالق جل وعلا حتى النصر او الشهادة، هو نذر في سبيل الله وعلى ملة رسوله، هو نذر للحرية والعدالة والانسانية، هو نذرنا وفاءً لكِ يا أم التضحيات العظيمة.

ليث البحرين
في رثاء ام البنين
٥-٥-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق