سامح الله الجدارا


٤٥ شهيداً عرجوا للحق بدمائهم، توفوا لبارئهم ليشكوا ظلامة شعبهم ويحكوا قصص جراحاتهم غصةً غصة لأهل الأرض وسكان السماء.

من بينهم النساء والرجال، الصغار والكبار، من قضى ظلماً بغازاتهم ومن عذبوه حتى الموت بغياهب سجونهم ومن أعدموه بتفجير رأسه ومن جعلوا جسده منبتاً للرصاص الانشطاري "الشوزن" الممنوع دولياً والذي تم تخصيصه لصيد الحيوانات فقط.

وقد بزغ من بين كوكبة الشهداء نجوماً استشهدوا في ساحات النضال، منهم قاهر الدبابات عبد الرضا بوحميد وعلي مؤمن وعلي الشيخ وعيسى عبد الحسن وأحمد فرحان وأحمد القطان والقائمة تطول، هؤلاء استشهدوا في المواجهات المباشرة مع مرتزقة وبلطجية آل خليفة وآل سعود، بعضهم بالرصاص الحي وبعضهم بالانشطاري وآخرين بالقنابل المسيلة للدموع وما شابه.

ولكن من أفجع من استشهد بالمواجهات هو شهيدنا البطل علي بداح الستراوي، فعلي لم يرحموه رغم ضعف جسده وهزالة بينته، لقد هشموا رأسه وجسده وسحقوه بين الجدار وسياراتهم ذات الدفع الرباعي كبيرة الحجم.

وتزامن مع دهس علي وتهشيم جسده النحيل حادثاً آخر لا يقل وحشية وبشاعة، فصورة زهراء البالغة من العمر ٢٧ عاماً وعمود الحديد مغروساً في رأسها أزالت النوم من جفوننا وأقرحت عيوننا.

أي وحوش هم حثالات هذا النظام الفاجر وأي تربية رذيلة ترعرعوا عليها، أي قلوب متحجرة متصلبة يملكون، أتحاربون الله وخيرة عبيده بهذه الوحشية التي لا داعي لها وتدعون إنكم مسلمون؟ من أي مستنقعٍ فاحش البغاء تم انتقائكم على يد العائلة الحاكمة الساقطة لتقوموا بقمع شعبٍ لم يحمل لكم إلا المودة والورود؟

ولكننا نشكركم لا لإخلاقياتكم ولا لوحشيتكم ولا لتربيتكم، بل نشكركم لأنكم زرعتم فينا الأمل المتجدد بغدٍ جميل، ببحرين سعيدةٍ فرحة متحررة من حكم آل خليفة وبدونكم يا شذاذ الآفاق.

لقد جددتم كربلاء الحسين بنا، فهذا عباسنا وهي زهراء المضروبة على رأسها بعمدٍ من حديد، وهذا أكبرنا وهو علي الذي دهستموه وهشمتم جسده كما تم تهشيم جسد الحسين وأصحابه تحت حوافر خيل جيش يزيد.

وتبقى لبطلنا علي الستراوي ذكرى أخرى أنفرد بها، لقد عصروه بين الباب والجدار، لقد هشموا صدره وكسروا أضلاعه كما حدث للممتحنة العظيمة، ليبقى جرحه بالذاكرة خاصاً كما هو أول جرح وظليمة لآل بيت محمد "ص".

لله درك يا علي، جمعت حادثتي الدار وكربلاء بفاجعةٍ واحدة، هنيئاً لك شهادتك يا بطل البحرين ونجم الشهداء، وعزائنا بخيرة أقرانك رجالات البحرين رغم صغر سنهم، فهم لا يهابون الموت في سبيل صنع الحياة، وأقولها لك بوداعك يا صادق الوعد كما قالها يوماً الرادود سيد هاني الوداعي عاتباً على الجدار الذي لم يحتضنك ويحميك بحنان الأمومة المضطهدة من بطش من لا قلب لهم:
بين بابٍ .. وجدارٍ .. سامح الله الجدارا

ليث البحرين
١٩-١١-٢٠١١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق