مقالات ليث البحرين في شهر-١٢

نبراس الأحرار

الكثير منا يبكي لمجرد ذكر واقعة الطف أو نطق اسم الحسين عليه السلام، وغالبيتنا إن لم نكن كلنا نردد هذا الشعار "لا يوم كيومك يا أبا عبدالله" تخليداً لذكراه التي تتجدد مع كل مظلوم وشهيد وطالب حق.

ولعل الجهد والوقت المبذول لإحياء ذكر الحسين وما جرى عليه وعلى آل بيت الرسول في كربلاء خلدها في القلوب وجعل منها الملحمة التاريخية الأعظم وهذا ما تستحقه واقعاً، حتى جعلت من الذين لا ينتمون لنفس الدين والعرق يعترفون بأفضليتها ومكانتها المرموقة ولا أدل على ذلك من قول غاندي الشهير "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".

 ولكن هل ملحمة عاشوراء تحصر في واقعة الطف فقط؟ هل هي ما جرى بين الحسين ويزيد فقط أم لها امتداد وتحضير تاريخي؟ وإن كانت هناك مقدمات فهل ترتبط بحقبة معاوية والدولة الاموية؟

إن من أبرز النقاط التي خلدت عاشوراء الحسين وسببت نجاحه المثالي كان التحضير المدروس الذي بدأ منذ لحظة ولادة الحسين وبكاء الرسول عليه ليكون أول ناعياً لسبطه، وامتداداً لتحضير الامام علي لأولاده وبناته وخصوصاً الحسين وزينب الكبرى لما سيجري يوم العاشر.

ويبقى صلح الحسن هو السر الذي خط انتصار الدم على السيف، هذا الصلح الذي لا نسمع له ذكراً في عاشوراء، وكأنه خطيئة تاريخية للامام الحسن الذي قدم تضحية لا مثيل لها في سبيل الاسلام والحرية، وقاسى من الإهانات والعذابات في حياته ما لا يتحمله بشر حتى حمل جنازته أشد أعداءه وهو مروان بن الحكم وحين سُئل لماذا تشارك في تشييع الحسن وقد حاربته طيل عمره ومنعت دفنه بقرب جده رد قائلاً كيف لا أحمل جنازة الحسن وحلمه جاوز صبر الجبال الرواسي.

إن كريم أهل البيت ظلمه أحبائه وأعدائه، ظلمه المحبين بتجاهلهم لحياته وذكراه التي تمر بمشاركة ضعيفة وحضور قلبي باهت، فالباكون على الحسن وظلامته هم عُشر عُشر الباكون للحسين. وظلمه اعدائه باتهامه بالضعف والركون للدنيا وطلب الرغبات المادية رغم علمهم أنه سيد شباب أهل الجنة.

ومع الأسف، عند أي تنازل عن الحقوق وعقد الاتفاقات التي بها تنازل عن مطالب الناس يطرح اسم الحسن وصلحه كذريعة للتنازلات، وكأنه تنازل لمعاوية عن الخلافة تنازل المنكسرين الخائبين.

إن صلح الحسن كوقع تاريخي مفصلي كان انتصار يوازي واقعة الطف، فلا يوجد قائد بالتاريخ حدث معه ما حدث للحسن، فمن تنازل عن قيادة جيشه وسلم الراية لمعاوية في جنح الظلام  كان عبيدالله بن العباس ابن عم الإمام الذي قتل معاوية أولاده باليمن، ورغم ذلك تنازل عبيد الله وبايع قاتل أطفاله وترك سيد شباب اهل الجنة الذي اهتز معسكره بهذه الخيانة ليعين قائداً آخراً للجيش ما لبث أن باع سبط رسول الله بعد ليلة واحدة، بالله عليكم أي جيش بالعالم سينتصر وقادته تتخاذل، والخلافات والمصالح تعصف به بسبب وجود الخوارج ضمنه ومنهم قتلة الحسين، ورغم ذلك ما تنازل الحسن وذهب بأهل بيته للمواجهة العسكرية، ولكن لعبت الأهواء والمصالح الشخصية بمرضى النفوس فعاثوا فساداً بالجيش وضرب الحسن بخنجر في فخذه وصل للعظم وسرقت لامته وأحرقت خيمته، وما تنازل.

لله درك يا أبا محمد تحملت كل هذه الأهوال وواصلت درب الجهاد، حتى جاء وفد معاوية طالباً للصلح وحقن الدماء ومعهم ورقةً ممضية بختم معاوية موافقاً لشروط الحسن بدون نقاش مقابل التنازل عن الخلافة له، وكان شياطين معاوية ودهاته مقتنعين من رفض الحسن للصلح وبذلك يكسبون اول صفحة مشرقة بالتاريخ إنهم ما بدأوا القتال وحاولوا حقن الدم ولكنهم أجبروا عليه وأبادوا آل بيت الرسول وأنهوا وجود العائلة المحمدية الهاشمية للأبد مجبرين لا مختارين، فكانت ضربت الحسن لهم بقبول الصلح بشروطه الاربعة التاريخية التي لو نفذت لما بقي للظلم والجور باقية.

فلولا صلح الحسن ما تم فضح المخطط الأموي ولا تم اسقاط الفساد، فصلح الحسن وصبره وثورة الحسين بدمائه حفظت الدين وخطت نصر الحرية للأجيال، ولا يجوز بعد اليوم أن يتنازل المتخاذلون ويضعوا صلح المجبتى حجة فصلحه ثورة لن تموت.

لقد خط الحسن درساً خالداً بحكمة الثورة واستمراريتها، ما تنازل عن الخلافة لمعاوية إلا لفضحه واسقاطه بعد حين، وحين تم فضح معاوية من خلال فساد يزيد العلني حق الخروج عليه والثورة ضده، هذا بالضبط ما نحتاجه بثورتنا التي فضحت هذا النظام الفاسد وكشفت وحشيته ومدى همجيته وقمعيته وآن أوان اسقاط النظام بالدم فما عاد للصلح مكاناً معه وهل منا من سيخون الدماء كما خان الظالمون ريحانة النبي.

إمامي يا أبا محمد، نحن لم نفهمك لنضعك في اطارك الصحيح، نحن تركناك وحيداً هناك وتخلينا عنك، يالقلبي كيف تجرعت الاهانات وكلام مريديك لك وهم يلقون تحيتهم لك "يا مذل المؤمنين"، كيف كنت تقابل اهاناتهم بابتسامتك المشرقة ومحياك البهيج، أي ظليمة هي ظليمتك وقد تجرعت السم الذي لا مثيل له حتى صار سمك مضرباً للمثل "سم الحسن"، كيف تحمل جسمك جراح السم النقيع الذي سقته اياك زوجك جعده حتى بقيت ٤٠ يوماً تتلوى بصبر وصمت على فراش المرض وقد تحول جسمك للون الاخضر وتلفظت كبدك المفرية قطعةً قطعة، هنا وبهذه اللحظات وأنت تعاني من لحظات الموت ولحظات ترجيع الدماء من فمك الشريف الذي طالما قبله البشير النذير، أطلقت نداءك الخالد ودموعك تودع الحسين "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".

فسلامٌ على ضريحك المهدوم وقبرك المظلوم، السلام على حلمك وحنكتك، السلام على صبرك وثوريتك، السلام على ظليمتك ووحدتك، السلام عليك يا قائد الثورة ومشعل الحرية، وحقاً حقاً يا إمامي أنت نبراس الأحرار.

ليث البحرين
٢٨-١٢-٢٠١١


أبوكمُ أبو لهب ...!


في ليلة الحادي عشر من محرم، وبعد انجلاء المعركة عن جثثٍ مقطعة يتوسطها جسد الحسين الشهيد مسلوب العمامة والرداء، بلا رأس معفراً على تراب كربلاء، تفقدت فخر المخدرات زينب النساء واليتامى بعد أن جمعتهم في خيمة العليل وافتقدت الرباب، فهرولت على التراب بين خيام آل البيت المحترقة تبحث عنها، فسمعت في سواد الليل، خلف إحدى الخيام المحروقة نحيباً خافتاً، كان بكاء الرباب التي أخفته خوفاً من قطيع جيش ابن سعد بدموعٍ سالت فوق خديها، لقد شربت الماء وجاءت لإرضاع طفلها، الذي ذبحه حرملة بسهمه من الوريد إلى الوريد بغضاً لجده المرتضى، ذبحه عطشاناً وهو في عمر ٦ شهور فقط.

لقد در لبن الرباب فأتت لترضع عبد الله عله يُسقى منها ما يشفي غليلها المحترق، وكأني بها رفعته من قبره الذي دفنه به الحسين وهي تناديه، يا رضيعي يا قرة عيني هرولت نحوك لألبي نحيبك حين تجوع، لأظلل عليك حين تصحو، لأخفف ألمك حين تمرض.

ساعد الله قلبكِ يا رباب، وعزائك بالله أن ولدكِ خلده التاريخ وخلد فاجعته وما جرى عليه، ولكِ محبون قدموا قرابين رضعاناً لكي تقر عين ولدك الرضيع بهم في الجنة، فقد قدم شعب البحرين قرابين ماتوا تسمماً بغازات الحقد الخليفي وهم في بطون أمهاتهم، قدمنا فدك التي ولدت ميتة بسبب صدمة والدتها بفجيعة قريبها الشهيد علي مشيمع أول شهداء ثورة اللؤلؤ.

وكذلك قدمنا الموؤودة ساجدة، التي ماتت بعد ٦ أيام من ولادتها لتكون الفاجعة الكبرى، ولدت في يوم عاشوراء مواساة للرباب وماتت شهيدةً مظلومةً بعد ٦ أيامٍ فقط مختنقة بغازات القتل الجماعي التي تلقى على الآمنين لتذبحهم وهم نيامٌ في بيوتهم.

لهف قلبي كيف هو حال أمكِ يا ساجدة، حملتكِ ٩ أشهر، وتحملت العذابات في سبيل حمايتكِ عبوراً بين نقاط التفتيش والاهانات الطائفية والقمع الرهيب، وتحملت أذى الغازات واقتحامات المنازل فداءً لكِ لتبقي حية، فلمَ رحلتي عن الدنيا صغيرةً مسبية.

عودي فأمكِ ما زالت في نفاسها تحتاج رؤيتكِ ليطمئن قلبها ولتسقيكِ من لبنها الذي يدر لارضاعكِ وحمايتك، ارجعي فعين والدكِ ستُعمى من الألم وهو يرى ملابسكِ الجميلة ويذكر كيف أذن في أذنيكِ وكيف بعد أقل من أسبوع حملكِ للمغتسل وزفكِ بقماطكِ الأبيض النقي لقبركِ الصغير.

انظري بعين العطف لأختكِ التي انتظرت سنيناً طوالاً قدومكِ للدنيا لتحضنكِ وتراقب نموكِ وترعاكِ وتلعب معكِ وتذهبين في عرسها معها لاختيار فستان فرحها، فلماذا رحلتي وتركتيها وحيدةً ولم يمر أسبوعاً على ولادتك؟ لماذا هذه القسوة منكِ يا ساجدة؟

حقاً إن ما قاله الشاعر غازي العابد وبصوت الرادود  فاضل البلادي ينطبق عليكِ يا ساجدة، فمن قتلكِ وسرقكِ من بيت والديك الحنونين ليسوا إلا أبناء الخنا وفاقدين الرجولة، ولكم ما قاله وصفاً دقيقاً لهم منذ أكثر من ١٢ عاماً:

أبوكمُ أبو لهب يا أمة العرب
وأمكم معروفةٌ حمالة الحطب
قد كشف الغطاء .. في يوم كربلاء
وقتل عبد الله قد فضح العرب

بطولةّ مهيبةٌ بمسرح الخيال .. بطولةّ تنقصها شهامة الرجال

وقادةٌ من اللهى لا تطأ الرمال .. لها افتخارٌ لو مشى من فوقها النعال

ليث البحرين
٢٠-١٢-٢٠١١



منصورين والناصر الله


إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، بناءً على هذا المبدأ القرآني وبعد يوم واحد من مجزرة الشاخورة والصور الرهيبة البشعة التي فضحت جريمة هذا النظام بحق شباب هم من خيرة من أنجبهم الوطن، زحف عشرات الآلاف من أبناء الشعب لتشييع الشهيد البطل علي رضي القصاب الذي اعتقل وسجن مراراً ولاقى صنوف التعذيب رغم ريعان شبابه وأطلق سراحه أيام الميدان في نهاية شهر فبراير واستشهد في يوم تحرير شارع البديع لتكون خير خاتمة لحياته الجهادية التي حق لنا أن نتخذها نبراساً في التضحية والصمود والصبر على الجراحات.

وصادف تشييع علينا الجديد أمرين مهمين، الأول أنه شُيع في يوم "عيد الشهداء"، والثاني أن تشييعه تم في ظل فعالية رائدة وهي تحرير شارع البديع متزامنة مع احتفالات القتلة بذكرى تنصيبهم على عرش الجماجم والدماء.

وما حدث قبل وأثناء وبعد التشييع كان حقاً شيئاً أسطورياً أحاول اختصاره بكلمات، نبتديها بثلاث نقاط قبل وأثناء التشييع:

١- كانت البداية مع استشهاد البطل علي القصاب وما حدث للبطلة والقائدة زينب الخواجة من إعتداء سافر في وسط الشارع وفي وضح النهار، وقد سببت المشاهد التي بثت بفضيحة مدوية للنظام من جانب، وجرح غائر في قلوبنا من جانب آخر حيث رآها مئات الشباب ولم يحركوا ساكناً لإنقاذها، فلم تقف معها إلا بطلة مثلها من عالم آخر هي فارسة ميدان الشهداء "معصومة السيد"، أبت أن تتركها لوحدها وفضلت ترك طفلتيها بلا قلب أمهما الحنون حماية لزينب ولتقول لها بفعلها وقولها لن أتركك طعمة للقتلة يا بنت الطيبين.

٢- سبب ما حدث لزينب صدمة للجميع، ولم تكن ايجابية أبداً، وكنوع من التكفير عن الذنب بتركها ومعصومة لوحدهما، مضت الآلاف نحو أبو صيبع لتشييع علي القصاب ولكن النظام الفاسد رفض تسليمه لعائلته لعدم تعكيير صفو احتفالاتهم الماجنة، ولم يتوقعوا أن غضب الشعب لحرائره وكرامته سيوصله لقلب شارع البديع، وحصل ما حصل من مسيرات سلمية ومواجهات بطولية ثورية، وكذلك ارتكبت مجزرة الشاخورة التي عرت النظام في رأس سنته فكانت طامة كبرى لها تداعياتها في الأيام والأسابيع المقبلة.

٣- بعد ما حدث في اليومين الماضيين سلم النظام الفاسد جثمان الشهيد الطاهر لعائلته، وقد كان مستهزأً ومتوقعاً أن يكون الحضور ضعيفاً بعد انتشار تصوير الضرب الوحشي للشباب، وعدم وجود رد فعل حقيقي من جانب الشعب ضد جرائم النظام.

ولكنه كعادت النظام فقد كان غبياً واهماً بمرتبة الامتياز، فعشرات الآلاف ملئت ربوع أبوصيبع والشاخورة وكرانة ملبية نداء الشهداء في يومهم، ولم تنفع اجراءات النظام القمعية في منع الشعب من الوصول، وخرج الموكب المهيب نحو دوار زينب الخواجة - أبو صيبع أو الكانتري مول سابقاً - ليواجهوا بالقمع الشديد لمنعهم من الخروج لشارع الشهداء - البديع سابقاً - ولكن ما فاد المرتزقة قمعهم ولا أسلحتهم فالتشييع وصل للشارع العام رغماً عنهم.

لاحت علامات النصر منذ لحظة دخولنا لشارع البديع، لاحت بصلابة الرجال وعزيمة الأبطال وصمود الحرائر والأطفال، فقد حققنا ما عجزنا عن تحقيقه سابقاً ببركات دماء الشهيد علي القصاب وصمود زينب الخواجة ورفيقتها بالنضال معصومة السيد، ويمكن تلخيص ما حدث بخمس نقاط:

١- انتصارنا الأول: للمرة الأولى نكسر حاجز الخوف ونمر بين المرتزقة المدججين بالأسلحة ونحن ملوحين بعلامات الانتصار نهتف بأعلى أصواتنا "يسقط حمد"، نعم هذه اللحظة لن ننساها للأبد فما عاد الخوف في قلوبنا من كلابك ومرتزقتك يا حمد، مررنا بين المئات منهم بعد ما قمعونا في بداية التشييع ولكنهم جبناء لأبعد الحدود ولم يتمكنوا من وقف الزحف البشري الهائل الذي ما كان ليترك جثمان الشهيد ولو قدم مئات الأرواح فداءً له، فاضطر ضابط المرتزقة أن يصرخ بوجه وحوشه بانكسار أن يتركوا مسيرة التشييع تمر بالشارع العام ولا يحدث ما لا يستطيع هو ولا أسياده تحمل نتائجه.

٢- انتصارنا الثاني: رغم قمعهم لثلاثة أيام متواصلة، لم يتراجع شباب الثورة عن مطلب تحرير شارع البديع، فملكوه بإرادتهم وصبرهم وحكمتهم وجلسوا على الأرصفة فاتحين الشارع للمارين به بكل يسر، وهذا الانتصار كبير جداً فهو الدليل على حضارة وقوة هذا الشعب ومدى روعة أخلاقياته.

٣- انتصارنا الثالث: رغم ضربهم وقمعهم لنا، قمنا بعمل سلسلة بشرية لمنع التصادم بين المشيعين وبين مرتزقة النظام، وكانت ضربة قاسية جداً للنظام وتاريخية لنا، هذا نحن بسلميتنا وقوتنا بحضاريتنا، لا نضرب ولا نعتدي رغم الجراحات والآلام.

٤- انتصارنا الرابع: الدفاع عن حرائرنا أثناء هجوم القتلة على المعتصمين سلمياً بعد التشييع في شارع الشهداء يعتبر نصراً تاريخياً لشعب البحرين، رأيت بعيني بعض الشباب يعمل حاجز بشري ويضرب على ظهره بكل وحشية حماية للنساء، وكذلك أحد المصابين بالشوزن برأسه السبب كان حمايته للحرائر. حقاً لنا أن نفخر بشبابنا الذين تلقوا الضرب والجراحات في سبيل الحفاظ على العرض والشرف.

٥- انتصارنا الخامس: أروع الانتصارات هو هذا الانتصار، فبعد كل الضرب والتعدي واستباحة الحرمات والاعتداء على المصلين في مسجد الكويكبات الذي هدم ثلاث مرات خلال ٧ أشهر، وبعد مجزرة الشاخورة، لم يكن يتوقع النظام أن تكون المقاومة باسلة في كل البحرين بهذه القوة، فالشباب قاوموا المرتزقة بطرق جديدة لا تخطر على بالهم، رأينا المرتزقة تبكي، تهرب، تهرول خارج مناطقنا، وبعضهم صاح في كرانة البارحة "يا أولاد المتعة ما تتعبون، ملينا منكم بسكم ناموا تعبنا".
نعم قالها وولى هارباً وانسحبت القوات مهزومة نفسياً ومعنوياً بسبب بسالة وصمود الثوار الأسطوري في ساحات النزال.

إن هذه الانتصارات المعنوية والميدانة الخمسة المتزامنة هي خارطة طريقنا للنصر الإلهي المؤزر، هي حلقات في سلسلة الصمود والثبات، فمعادلة السلمية والدفاع المقدس طبقت بحذافيرها خلال يوم عيد الشهداء الذي أعاد لنا كرامتنا وهيبتنا وتنسمنا من خلاله عبق ميدان الشهداء بأرقام نخيله ونصب الخيام وتوزيع الشاي والطعام، وكنا نعزم بعضنا بعضاً على العشاء ونتسابق لذلك إن لم نقمع حتى المساء.

طبتم يا شعبي البحراني الأبي، أحب طيبتكم، أهفو لسلميتكم، أعشق مقاومتكم، بكم روح الحسين وصبر زينب، وهل من لديه هذه الرموز ينهزم، لا والله هيهات أن ننهزم وشعارنا هيهات منا الذلة، وكل ما قدمناه وما نقدمه لن يضيع فالتضحيات هي من تصنع الغد المشرق، وليعلم القاسي والداني أننا على طريق الانتصار، شاء من شاء وأبى من أبى، وشعارنا الذي سنحققه رغماً عن الظالمين:
منصورين والناصر الله

ليث البحرين
١٨-١٢-٢٠١١

أليس الصبح بقريب



مقالتي اليوم مغايرة لما مضى، فلأول مرة أتردد كثيراً في طرح مقالة جديدة كما ترددت وأنا أكتب هذه الأسطر، لعلمي إن الثوري والسياسي، الإنتحاري والإنبطاحي، المضحي والمتسلق سينتقدوني ويهاجموني لطرحي الجريء جداً بها، ولكنها لهجتي الصادقة التي قد أخسر بها الكثير في سبيل الحقيقة.

فالثورة تمر بأصعب منزلق وبأصعب ظرف منذ انطلاقتها في ١٤ فبراير، فما توصلنا له بعد ما يقارب العشرة أشهر هو الاحترام الدولي والاعتراف بوجود ازمة سياسية بالبحرين تستوجب حلها لمنع انتقال الثورة لباقي اقطار الخليج، قلب الطاقة الرخيصة للغرب، ورغم كل الجراحات وعروج ٤٨ شهيداً ومئات الجرحى وآلاف الأسرى، تحولت الثورة لأزمة سياسية تطلب اصلاح النظام عوض اسقاطه، وأصبح المجرم الأكبر المشير بدلاً من الملك القاتل حمد، واختفت مسألة المحاكمة الدولية وخبا ضجيجها وتبخرت الكثير من الوعود.

المحصلة الحقيقة هي قلة عدد الثوار الذين يقمعون بعنف مفرط رغم سلميتهم، وإن قاموا باغلاق الطرق أو استخدام وسائل الدفاع عن النفس يتم التهجم عليهم وتسقيطهم، وأقل التهجم عليهم رميهم بالجهل ومقولة "قاتل الله الجهل" أصبحت متداولة لوصفهم، رغم إنهم يحملون أرواحهم على أكفهم في سبيل الدين والوطن.

في خضم هذه المعاناة، لابد من وقفة تأمل وصدق مع الذات لمواصلة الكفاح، مواصلته بصدق وواقعية بعيداً عن الشعارات الرنانة والأحلام والأوهام، ونبدأ هذه الوقفة بقراءة الحلول المطروحة سياسياً على الساحة للخروج من ازمة النظام المجرم بالبحرين المحتلة.

الحل الأمريكي - سلمان بن حمد:
يعتمد هذا الحل على ضرب قوى الممانعة بزعامة الرموز المغيبين في غياهب السجون وقيادة إئتلاف ١٤ فبراير بحيث يتم تحجيمها وتقليل عديدها الفاعلين على الارض، فهم يعلمون ان اغلب الشعب لا يريد بقاء العائلة الحاكمة، ولكن هذه الغالبية تم ترويض معظمها عن طريق فتح الطريق للجمعيات السياسية والسماح لها بمهرجاناتها الاسبوعية كمتنفس ومروض للجماهير وتنزيل السقف من اسقاط النظام لاصلاحه.

ويعتمد الحل الأمريكي على جعل الجمعيات وخصوصاً الوفاق الشريك الوحيد بالمفاوضات واعطاء شبه ملكية دستورية بعد الدخول في حوار يقوده سلمان بن حمد، وسيتم الاستفتاء على التعديلات الدستورية بعد ذلك في ظل تعب الناس من المواجهات والقمع من جهة، ووضع المغريات من برلمان كامل الصلاحية ذو دوائر انتخابية عادلة وارجاع المفصولين وتعويض عوائل الشهداء والجرحى وكل المتضررين، مع رفض مبدأ الحكومة المنتخبة حالياً وأخذ وعد كتابي من سلمان بذلك وتنحية خليفة من منصبه.

تكمن خطورة الحل الأمريكي في انه مبني على الوعود وعلى تصويت الشعب بمجنسيه الذين تضاعفوا ٣ مرات خلال الشهور الماضية، مما سيخلق برلمان له شقين متساويين هما شيعي معارض وسني موالي لن يقدم ولن يؤخر، وهذا ما يطرحه الخبيث سلمان على الطاولة حالياً.

الحل السعودي الخليفي - خليفة بن سلمان والمشير:
وهو يشبه الحل الأول مع اضافة مهمة وهي عدم التنازل للشعب في الفترة القادمة والمراهنة على عامل الوقت، واعطاء تعديلات دستورية محدودة، وتكمن خطورته في استهداف كوادر الثورة واعتقالهم وافراغ الثورة من محتواها والعمل الأمني المستمر على انهاء مظاهر الاحتجاج بكل وحشية ممكنة.

هذا الحل لا تباركه أمريكا ولكنها تغض الطرف عن المضي قدماً به حالياً، فإن لم ينجح وهو المتوقع فهي مباركة لمشروع سلمان بن حمد وللتغيرات التي سيطرحها والتي تعتبر كبيرة ظاهراً ولكنها بالمضمون لا تساوي شيئاً إلا زيادة الانقسام الطائفي بالبحرين ليكون لبنان الخليج.

الحل الدولي - قطر وتركيا:
وهو الاكثر تطوراً ويتلخص بجعل البحرين ملكية دستورية على شاكلة الاردن، بديموقراطية مزيفة لا تلبي الطموح في ظل التجنيس المستمر، بحيث يختار الملك رئيس وزرائه من عامة الشعب ويفضل ان يكون شيعياً وهو يدير الحوار مع سلمان بن حمد ويصل بالبحرين لتكون مملكة اردنية البنية والمضمون.

خيارات الشعب:
وللشعب فيهما خيارين سياسي وشبابي ثوري:

الحل السياسي: وهو ما تتبناه الجمعيات السياسية بزعامة الوفاق ومباركة علمائية شيعية واضحة، وتكمن قوته في جماهيرية الجمعيات السياسية وضغطها الاعلامي للتغيير.

مشكلة هذا الحل تكمن في عدم واقعيته، فلو استمرت مهرجانات الجمعيات لعشر سنوات قادمة لن تقدم للشعب إلا شبه ملكية دستورية كحد أقصى، فطبيعة أي مطالب سياسية أن تصل للحوار، ومن يتحاور لابد أن يتنازل للوصول للحلول الوسطية، والسياسة فن الممكن بأقل خسائر ممكنة، وهنا يكمن دهاء سلمان بن حمد الذي لم يقطع صلته بالجمعيات السياسية والذي حصل على دعم الغرب المطلق لتنفيذ خطته بالوصول لشبه ملكية دستورية قائمة على برلمان منتخب منقسم طائفياً.

الحل الشبابي الثوري: وهو ما يتبناه غالبية الرموز بالسجون، وذراعه الأساسي الائتلاف ويتبنى اسقاط النظام ومحاكمة أركانه القتلة.

مأزق هذا الحل هو كثرة مؤيديه قولاً وقلتهم فعلاً وعملاً، فقلوب الغالبية مع اسقاط النظام ولكنهم يريدون الانتصار وهم سالمين غانمين، رغم تيقنهم ان اسقاط نظام متمكن ويملك كل مفاتيح القوة المادية والعسكرية على الارض ومدعوم اقليمياً ودولياً يتطلب سيل من التضحيات والشهداء.

إذاً، ما هو المصير؟ وهل ستنتصر ثورتنا؟

المصير يقرره الشعب بيده وبعون ربه، نعم سننتصر وسينتصر الحق على الباطل ولكن لابد من الخوض بكل ما تم طرحه مسبقاً للوصول لما هو مطلوب من الشعب للوصول لمرامه وحقوقه.

فللشعب خيارين لا ثالث لهما، إما العودة لما كان عليه يوم ١٤ فبراير بزخم جماهيري كبير جداً بالميادين، ولكن هذا الخيار لن ينجح على ارض الواقع، فغالبية الشعب تم ترويضه في مهرجانات اسبوعية يذهب ليصفق ويهتف ويعتقد انه منتصرٌ بها وهي حقيقة في ميزان القوى صفرٌ على الشمال لا تضر ولا تنفع وليس لها صدى اعلامي بالخارج إلا تلمييع صورة النظام بأنه يسمح بالتعبير السلمي لمعارضيه السياسيين وكذلك أن هناك مشكلة سياسية يجب حلها بحوار جاد ذو حلول وسطية.

ولكن الخيار الثاني هو التصعيد الثوري الى اقصى مداه والذهاب للميدان بالأكفان، لتكون عملية استشهادية جماعية، ولكنها ستكون انتحار سياسي وميداني لقوى الممانعة في حالة قلة العدد وندرته وهو المتوقع، فأمثال عبد الرضا بوحميد ومحمد الحايكي، وعبد القادر درويش ومحمد العكري نادرون، لذلك التضحية بهم في عملية انتحارية هي خسارة عظيمة لا داعي لها ولن تكون لها أصداء في حالة الفشل.

لذلك ليس أمام الثوار إلا الاستمرار رغم قلة عددهم في حرب الاستنزاف، بحرق الاطارات واغلاق الشوارع والأحياء والتظاهر بها واستخدام وسائل الردع على بساطتها وضعف مردودها. ويكمن الهدف من هذه الحرب في تطويل أمد الثورة وجعل النظام يخطأ أخطاء قاتلة تعود بالوبال عليه مستقبلاً، فالحفاظ على الثورة هو الهدف للخروج من مأزق هذه المرحلة.

وختاماً نصيحتي الخالصة للأحرار هي:
واصلوا كفاحكم بالشارع ولكن بحكمة وفطنة، لا للمواجهات بعد اليوم، أخرجوا بأقل خسائر ممكنة، فلن يرحمكم بلطجية النظام من جانب، ولن يدافع عنكم أحد من جانب آخر، فأنتم مجرد رقم مضاف للمعتقلين، سيتم تعذيبكم وتعليقكم والتحرش جنسياً بكم ولن تروا الدعم من أحد بالساحة، فلو كان من أحد يستحق الدعم فهن الحرائر وتاجهن فضيلة التي أهملت لشهور طوال بلا تحرك جدي لاطلاق سراحها ولو بالاضراب عن الطعام ليوم واحد فقط.

لا تستمعوا لمن يجركم للموت جراً بحجة الكرامة والثورة الحسينية وهو جالسٌ في بيته متلحفاً ردائه، فالحسين حين استشهد كان الشارع ميتاً تماماً بحركته ولكنه يغلي بالجراحات فأحياه بدمائه ولم يكن من متحرك بثورته غيره، الحسين حين استشهد لم يكن أشجع من أخيه الحسن ولكن ظروف الحسن كانت تلزمه بالصلح حماية لأنصار الحسين يوم العاشر، الحسين حين استشهد كانت منزلته ومكانته الدينية ونسبه للرسول الاعظم الدرع الذي حمى به حصن الدين، فلو غير الحسين قدم ما قدمه لما لاقى الصدى الذي لاقاه، ولنا بالحسين بن علي الخير حفيد الامام الحسن خير دليل فلقد لاقى افظع مما لاقى الامام الحسين، ورغم ذلك ذهبت موتته الفظيعة وأهل بيته في واقعة فخ ادراج الرياح، ولم تنبت الثمار المرجوة لها.
http://www.al-shia.org/html/ara/others/index.php?mod=monasebat&id=518

فالجهاد في سبيل الله شرف والشهاده في سبيله كرامة ولكنها بعقلانية الحسن وشجاعة الحسين، وما نرنو له في ظل أحلك ظرف تمر به ثورتنا هو الاستمرارية قدر الامكان، والثبات بالميدان قدر المستطاع وحصر أعداد المعتقلين والمصابين حتى يدخل معطى جديد محلي أو إقليمي يغير المعادلة ويسمح بالتصعيد الشعبي كما بدأت الثورة بزخم كبير يعيدنا لميدان رئيسي بالبلد لننطلق مجدداً في ثورة معطاء.

الصبر يا شباب الثورة، الصبر على الجراح والاستمرار لفترة طويلة بالميدان بنفسٍ متسق هو الحل، دافعوا عن أنفسكم بكل ما تملكون، ولا تأخذكم بالله لومة لائم، والنصر حليفكم فأنتم قرة عين آباء وأمهات وعوائل الشهداء والجرحى والمعتقلين، فعاشر البحرين قريب جداً ويومها يزلزل الجميع ويختبر الناس ويعرف الصادق وعده والمتسلق على الجراح وسيحتاجكم الوطن فلا تضيعوا الجهود والكوادر النقية، بصمودكم ننتصر، بثباتكم نفتخر، والله معكم خير ناصر ومعين، وسيخزي الظالمين، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.

ليث البحرين
١٠-١٢-٢٠١١


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق