الكثير منا يبكي لمجرد ذكر واقعة الطف أو نطق اسم الحسين عليه السلام، وغالبيتنا إن لم نكن كلنا نردد هذا الشعار "لا يوم كيومك يا أبا عبدالله" تخليداً لذكراه التي تتجدد مع كل مظلوم وشهيد وطالب حق.
ولعل الجهد والوقت المبذول لإحياء ذكر الحسين وما جرى عليه وعلى آل بيت الرسول في كربلاء خلدها في القلوب وجعل منها الملحمة التاريخية الأعظم وهذا ما تستحقه واقعاً، حتى جعلت من الذين لا ينتمون لنفس الدين والعرق يعترفون بأفضليتها ومكانتها المرموقة ولا أدل على ذلك من قول غاندي الشهير "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
ولكن هل ملحمة عاشوراء تحصر في واقعة الطف فقط؟ هل هي ما جرى بين الحسين ويزيد فقط أم لها امتداد وتحضير تاريخي؟ وإن كانت هناك مقدمات فهل ترتبط بحقبة معاوية والدولة الاموية؟
إن من أبرز النقاط التي خلدت عاشوراء الحسين وسببت نجاحه المثالي كان التحضير المدروس الذي بدأ منذ لحظة ولادة الحسين وبكاء الرسول عليه ليكون أول ناعياً لسبطه، وامتداداً لتحضير الامام علي لأولاده وبناته وخصوصاً الحسين وزينب الكبرى لما سيجري يوم العاشر.
ويبقى صلح الحسن هو السر الذي خط انتصار الدم على السيف، هذا الصلح الذي لا نسمع له ذكراً في عاشوراء، وكأنه خطيئة تاريخية للامام الحسن الذي قدم تضحية لا مثيل لها في سبيل الاسلام والحرية، وقاسى من الإهانات والعذابات في حياته ما لا يتحمله بشر حتى حمل جنازته أشد أعداءه وهو مروان بن الحكم وحين سُئل لماذا تشارك في تشييع الحسن وقد حاربته طيل عمره ومنعت دفنه بقرب جده رد قائلاً كيف لا أحمل جنازة الحسن وحلمه جاوز صبر الجبال الرواسي.
إن كريم أهل البيت ظلمه أحبائه وأعدائه، ظلمه المحبين بتجاهلهم لحياته وذكراه التي تمر بمشاركة ضعيفة وحضور قلبي باهت، فالباكون على الحسن وظلامته هم عُشر عُشر الباكون للحسين. وظلمه اعدائه باتهامه بالضعف والركون للدنيا وطلب الرغبات المادية رغم علمهم أنه سيد شباب أهل الجنة.
ومع الأسف، عند أي تنازل عن الحقوق وعقد الاتفاقات التي بها تنازل عن مطالب الناس يطرح اسم الحسن وصلحه كذريعة للتنازلات، وكأنه تنازل لمعاوية عن الخلافة تنازل المنكسرين الخائبين.
إن صلح الحسن كوقع تاريخي مفصلي كان انتصار يوازي واقعة الطف، فلا يوجد قائد بالتاريخ حدث معه ما حدث للحسن، فمن تنازل عن قيادة جيشه وسلم الراية لمعاوية في جنح الظلام كان عبيدالله بن العباس ابن عم الإمام الذي قتل معاوية أولاده باليمن، ورغم ذلك تنازل عبيد الله وبايع قاتل أطفاله وترك سيد شباب اهل الجنة الذي اهتز معسكره بهذه الخيانة ليعين قائداً آخراً للجيش ما لبث أن باع سبط رسول الله بعد ليلة واحدة، بالله عليكم أي جيش بالعالم سينتصر وقادته تتخاذل، والخلافات والمصالح تعصف به بسبب وجود الخوارج ضمنه ومنهم قتلة الحسين، ورغم ذلك ما تنازل الحسن وذهب بأهل بيته للمواجهة العسكرية، ولكن لعبت الأهواء والمصالح الشخصية بمرضى النفوس فعاثوا فساداً بالجيش وضرب الحسن بخنجر في فخذه وصل للعظم وسرقت لامته وأحرقت خيمته، وما تنازل.
لله درك يا أبا محمد تحملت كل هذه الأهوال وواصلت درب الجهاد، حتى جاء وفد معاوية طالباً للصلح وحقن الدماء ومعهم ورقةً ممضية بختم معاوية موافقاً لشروط الحسن بدون نقاش مقابل التنازل عن الخلافة له، وكان شياطين معاوية ودهاته مقتنعين من رفض الحسن للصلح وبذلك يكسبون اول صفحة مشرقة بالتاريخ إنهم ما بدأوا القتال وحاولوا حقن الدم ولكنهم أجبروا عليه وأبادوا آل بيت الرسول وأنهوا وجود العائلة المحمدية الهاشمية للأبد مجبرين لا مختارين، فكانت ضربت الحسن لهم بقبول الصلح بشروطه الاربعة التاريخية التي لو نفذت لما بقي للظلم والجور باقية.
فلولا صلح الحسن ما تم فضح المخطط الأموي ولا تم اسقاط الفساد، فصلح الحسن وصبره وثورة الحسين بدمائه حفظت الدين وخطت نصر الحرية للأجيال، ولا يجوز بعد اليوم أن يتنازل المتخاذلون ويضعوا صلح المجبتى حجة فصلحه ثورة لن تموت.
لقد خط الحسن درساً خالداً بحكمة الثورة واستمراريتها، ما تنازل عن الخلافة لمعاوية إلا لفضحه واسقاطه بعد حين، وحين تم فضح معاوية من خلال فساد يزيد العلني حق الخروج عليه والثورة ضده، هذا بالضبط ما نحتاجه بثورتنا التي فضحت هذا النظام الفاسد وكشفت وحشيته ومدى همجيته وقمعيته وآن أوان اسقاط النظام بالدم فما عاد للصلح مكاناً معه وهل منا من سيخون الدماء كما خان الظالمون ريحانة النبي.
إمامي يا أبا محمد، نحن لم نفهمك لنضعك في اطارك الصحيح، نحن تركناك وحيداً هناك وتخلينا عنك، يالقلبي كيف تجرعت الاهانات وكلام مريديك لك وهم يلقون تحيتهم لك "يا مذل المؤمنين"، كيف كنت تقابل اهاناتهم بابتسامتك المشرقة ومحياك البهيج، أي ظليمة هي ظليمتك وقد تجرعت السم الذي لا مثيل له حتى صار سمك مضرباً للمثل "سم الحسن"، كيف تحمل جسمك جراح السم النقيع الذي سقته اياك زوجك جعده حتى بقيت ٤٠ يوماً تتلوى بصبر وصمت على فراش المرض وقد تحول جسمك للون الاخضر وتلفظت كبدك المفرية قطعةً قطعة، هنا وبهذه اللحظات وأنت تعاني من لحظات الموت ولحظات ترجيع الدماء من فمك الشريف الذي طالما قبله البشير النذير، أطلقت نداءك الخالد ودموعك تودع الحسين "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
فسلامٌ على ضريحك المهدوم وقبرك المظلوم، السلام على حلمك وحنكتك، السلام على صبرك وثوريتك، السلام على ظليمتك ووحدتك، السلام عليك يا قائد الثورة ومشعل الحرية، وحقاً حقاً يا إمامي أنت نبراس الأحرار.
ليث البحرين
٢٨-١٢-٢٠١١
ولعل الجهد والوقت المبذول لإحياء ذكر الحسين وما جرى عليه وعلى آل بيت الرسول في كربلاء خلدها في القلوب وجعل منها الملحمة التاريخية الأعظم وهذا ما تستحقه واقعاً، حتى جعلت من الذين لا ينتمون لنفس الدين والعرق يعترفون بأفضليتها ومكانتها المرموقة ولا أدل على ذلك من قول غاندي الشهير "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
ولكن هل ملحمة عاشوراء تحصر في واقعة الطف فقط؟ هل هي ما جرى بين الحسين ويزيد فقط أم لها امتداد وتحضير تاريخي؟ وإن كانت هناك مقدمات فهل ترتبط بحقبة معاوية والدولة الاموية؟
إن من أبرز النقاط التي خلدت عاشوراء الحسين وسببت نجاحه المثالي كان التحضير المدروس الذي بدأ منذ لحظة ولادة الحسين وبكاء الرسول عليه ليكون أول ناعياً لسبطه، وامتداداً لتحضير الامام علي لأولاده وبناته وخصوصاً الحسين وزينب الكبرى لما سيجري يوم العاشر.
ويبقى صلح الحسن هو السر الذي خط انتصار الدم على السيف، هذا الصلح الذي لا نسمع له ذكراً في عاشوراء، وكأنه خطيئة تاريخية للامام الحسن الذي قدم تضحية لا مثيل لها في سبيل الاسلام والحرية، وقاسى من الإهانات والعذابات في حياته ما لا يتحمله بشر حتى حمل جنازته أشد أعداءه وهو مروان بن الحكم وحين سُئل لماذا تشارك في تشييع الحسن وقد حاربته طيل عمره ومنعت دفنه بقرب جده رد قائلاً كيف لا أحمل جنازة الحسن وحلمه جاوز صبر الجبال الرواسي.
إن كريم أهل البيت ظلمه أحبائه وأعدائه، ظلمه المحبين بتجاهلهم لحياته وذكراه التي تمر بمشاركة ضعيفة وحضور قلبي باهت، فالباكون على الحسن وظلامته هم عُشر عُشر الباكون للحسين. وظلمه اعدائه باتهامه بالضعف والركون للدنيا وطلب الرغبات المادية رغم علمهم أنه سيد شباب أهل الجنة.
ومع الأسف، عند أي تنازل عن الحقوق وعقد الاتفاقات التي بها تنازل عن مطالب الناس يطرح اسم الحسن وصلحه كذريعة للتنازلات، وكأنه تنازل لمعاوية عن الخلافة تنازل المنكسرين الخائبين.
إن صلح الحسن كوقع تاريخي مفصلي كان انتصار يوازي واقعة الطف، فلا يوجد قائد بالتاريخ حدث معه ما حدث للحسن، فمن تنازل عن قيادة جيشه وسلم الراية لمعاوية في جنح الظلام كان عبيدالله بن العباس ابن عم الإمام الذي قتل معاوية أولاده باليمن، ورغم ذلك تنازل عبيد الله وبايع قاتل أطفاله وترك سيد شباب اهل الجنة الذي اهتز معسكره بهذه الخيانة ليعين قائداً آخراً للجيش ما لبث أن باع سبط رسول الله بعد ليلة واحدة، بالله عليكم أي جيش بالعالم سينتصر وقادته تتخاذل، والخلافات والمصالح تعصف به بسبب وجود الخوارج ضمنه ومنهم قتلة الحسين، ورغم ذلك ما تنازل الحسن وذهب بأهل بيته للمواجهة العسكرية، ولكن لعبت الأهواء والمصالح الشخصية بمرضى النفوس فعاثوا فساداً بالجيش وضرب الحسن بخنجر في فخذه وصل للعظم وسرقت لامته وأحرقت خيمته، وما تنازل.
لله درك يا أبا محمد تحملت كل هذه الأهوال وواصلت درب الجهاد، حتى جاء وفد معاوية طالباً للصلح وحقن الدماء ومعهم ورقةً ممضية بختم معاوية موافقاً لشروط الحسن بدون نقاش مقابل التنازل عن الخلافة له، وكان شياطين معاوية ودهاته مقتنعين من رفض الحسن للصلح وبذلك يكسبون اول صفحة مشرقة بالتاريخ إنهم ما بدأوا القتال وحاولوا حقن الدم ولكنهم أجبروا عليه وأبادوا آل بيت الرسول وأنهوا وجود العائلة المحمدية الهاشمية للأبد مجبرين لا مختارين، فكانت ضربت الحسن لهم بقبول الصلح بشروطه الاربعة التاريخية التي لو نفذت لما بقي للظلم والجور باقية.
فلولا صلح الحسن ما تم فضح المخطط الأموي ولا تم اسقاط الفساد، فصلح الحسن وصبره وثورة الحسين بدمائه حفظت الدين وخطت نصر الحرية للأجيال، ولا يجوز بعد اليوم أن يتنازل المتخاذلون ويضعوا صلح المجبتى حجة فصلحه ثورة لن تموت.
لقد خط الحسن درساً خالداً بحكمة الثورة واستمراريتها، ما تنازل عن الخلافة لمعاوية إلا لفضحه واسقاطه بعد حين، وحين تم فضح معاوية من خلال فساد يزيد العلني حق الخروج عليه والثورة ضده، هذا بالضبط ما نحتاجه بثورتنا التي فضحت هذا النظام الفاسد وكشفت وحشيته ومدى همجيته وقمعيته وآن أوان اسقاط النظام بالدم فما عاد للصلح مكاناً معه وهل منا من سيخون الدماء كما خان الظالمون ريحانة النبي.
إمامي يا أبا محمد، نحن لم نفهمك لنضعك في اطارك الصحيح، نحن تركناك وحيداً هناك وتخلينا عنك، يالقلبي كيف تجرعت الاهانات وكلام مريديك لك وهم يلقون تحيتهم لك "يا مذل المؤمنين"، كيف كنت تقابل اهاناتهم بابتسامتك المشرقة ومحياك البهيج، أي ظليمة هي ظليمتك وقد تجرعت السم الذي لا مثيل له حتى صار سمك مضرباً للمثل "سم الحسن"، كيف تحمل جسمك جراح السم النقيع الذي سقته اياك زوجك جعده حتى بقيت ٤٠ يوماً تتلوى بصبر وصمت على فراش المرض وقد تحول جسمك للون الاخضر وتلفظت كبدك المفرية قطعةً قطعة، هنا وبهذه اللحظات وأنت تعاني من لحظات الموت ولحظات ترجيع الدماء من فمك الشريف الذي طالما قبله البشير النذير، أطلقت نداءك الخالد ودموعك تودع الحسين "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
فسلامٌ على ضريحك المهدوم وقبرك المظلوم، السلام على حلمك وحنكتك، السلام على صبرك وثوريتك، السلام على ظليمتك ووحدتك، السلام عليك يا قائد الثورة ومشعل الحرية، وحقاً حقاً يا إمامي أنت نبراس الأحرار.
ليث البحرين
٢٨-١٢-٢٠١١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق