مقالات ليث البحرين في ٢٠١٢-شهر-٣


لعينيكِ أمي


أمي ..
يا عطر الندى ويا أرقى الأشعار، يا من وهبتني بقدرة الخالق الحياة، يا من حملتيني ثقلاً بين أحشائكِ نغص عليكِ حياتكِ لشهورٍ طوال حرمتي فيها من ألذ الطعام والنوم الهنئ وراحة البال، سهرتي لأنام قرب قلبكِ وذبتي من أجل حياتي.

والدتي ..
 كيف لي أن أصف صبركِ على ألم ولادتي، تحملتي العذاب الذي به غفر الله لكِ ما تقدم من ذنوبكِ لشدته وقسوته فقط وفقط من أجلي، فأشرقت دنياي برؤيتكِ والاحساس الذي لا مثيل له من عطفكِ وحنانك.

مربيتي ..
ربيتِني رضيعاً وأطعمتِني من أنقى ما يتذوقه البشر، إنه الحب الذي لا حدود له، فكان لبنكِ عسلاً مصفاً يشعرني بالنرجسية كلما ملأ جوفي بعذوبته، فمن مثلي محظوظٌ بملاكٍ يحرسه بروحه النقية التي تعطي بلا مقابل.

ملاكي ..
ترعرعت طفلاً صغيراً بين حضنكِ الدافئ وقلبكِ الحنون، وكم أتعبتكِ سهراً وألماً بسبب مشاغبتي، فكيف أنسى عيادتكِ لي عند مرضي والعصير والطعام الذي تجهزيه لينمو عظمي ويقوى جسمي وكل هذا ضريبته عليكِ وعلى صحتكِ وراحتكِ.

معلمتي ..
إن أول ما نطق به لساني ولهج به قلبي هو نداء "أمي"، وأرقى من تعلمت منه الأخلاق والصفات الحميدة أنتِ يا أمي، أذكر تعليمكِ إياي للصلاة وصبركِ على كثير أسئلتي، فلقد علمتني الحروف والأرقام، العلوم والرياضيات واللغات، فاجتهدت بدراستي وفاءً لعطائكِ اللا محدود في سبيل نجاحي وتفوقي، وكيف لي أن أفشل ووالدتي هي من تدرسني وتوفر وسائل الحنان والاطمئنان والاجواء المنزلية الجميلة لأتفوق في تحصيلي العلمي.

ملهمتي ..
تخرجت من مدرستي وتفوقت في جامعتي ورفعت رأسك عالياً يا غاليتي، فقد ألهمتني الصبر والثبات على الدرب رغم الصعاب في سبيل الوصول للأهداف وهذا نتاج ما زرعتيه في قلبي فأثمر نجاحاً ما كان ليكون لولا توجيهاتكِ وتربيتكِ يا ملهمتي.

قدوتي ..
وقفتي معي وساندتني حتى حصلت على وظيفةٍ مناسبة كانت حلماً بالنسبة لي، دعمتني حتى اشتد عودي وثبَّت قدمي في الحياة، رأيت نظراتكِ الحانية وعيونكِ الدامعة فرحاً يوم زفافي وعرسي فكانت لحظةً تمنيت ان تستمر لأراكِ فرحةً دوماً يا أمي، ما توقفتي لحظةً واحدةً ولا ترددتي أبداً عن مساعدتي، فتجاوزتي عن جسارتي وتمردي وكثير أخطائي وصلافتي التي لو كنت محلكِ ما غفرتها لنفسي، فكنتِ حقاً قدوتي التي أستلهم منها الحنان والحب والعفو والصبر والاحساس بمعاناة الأخرين والتجاوز عن من أساء لي.

لعينيكِ أمي ..
سأمضي على خطاكِ وعلى تربيتكِ الصالحة لي، سأبقى علماً منيراً للحرية التي ربيتِني عليها منذ نعومة أظفاري، فإغفري لي زلتي وتجاوزي عن إسائتي كما عهدتكِ يا نور عيني، واصبري وصابري يوم يأتيكِ خبر استشهادي، يوم تريني محمولاً والناس من حولي تبكي، حينها زفيني لقبري واعجني من ترابه مسبحةً تعلقيها فوق سريركِ فتشميها كلما اشتقتي لي، وأبكي لفقدي ولكن لا تجزعي فصبركِ الجميل يعني خلودي وبقائي، فبأنفاسكِ تتعطر روحي التي تحلق كل حينٍ لتصلي قرب سجادتكِ معكِ في كل فريضة، وإعلمي أني حيٌ لن أموت أنتظر يوم لقائنا الأبدي، هنا بالفردوس الأعلي حيث لا حسد ولا لغو ولا أحقاد، هنا حيث انتظركِ بجانبي لأخدمك مجدداً للأبد يا ملاكي، فما قدمت روحي إلا من أجل الحرية، من أجل الكرامة التي ربيتِني عليها، قدمت روحي للوطن الغالي، قدمتها للبحرين الحبيبة، قدمتها .. لعينيكِ أمي.

http://t.co/fggJWqf

ليث البحرين
٢١-٣-٢٠١٢





إنَّ صبري .. جبلٌ شامخ


الصبر هو خلق الأنبياء، هو صفة العظماء والشرفاء، فالصبر مفتاح الفرج لمشاكل الانسانية، به رقى البشر وتطورت حضاراتهم على وجه البسيطة، فالبصبر الجميل تحققت انجازات الانسان العظمى واستلهم منه القوة والعزيمة للوصول لما يرنو إليه من منزلة مرموقة بين خلائق الباري.

وبالمرور على سيرة الأنبياء والأوصياء، وكذلك علماء البشرية في شتى مجالات العلم من كيمياء وفيزياء ورياضيات وغيرها من العلوم الانسانية، تتضح لنا آثار الصبر وثماره الخالدة، فالأنبياء والفلاسفة حوربوا وجوبهوا بكل أنواع التنكيل والتسقيط والتقزيم ورغم ذلك انتصروا وخلدوا لأنفسهم مكانة رائعة بالتاريخ وما زالت آثارهم موجودة مؤثرة في وجدان بني آدم.

وعلى نفس المنوال، فإن صبر العلماء والجهابذة أثمر التطور الانساني المستمر على مر العصور، فوصلنا لمرحلة علوم الفضاء والأحياء الدقيقة بفضل صبر هؤلاء العظماء ومثابرتهم رغم ما واجهوه من مظلومية، ومن امثلتهم ما حدث لسقراط وجاليليو وآخرون، قد قدموا العطاءات العظمى من أجل الحقيقة والعلم والبشرية جمعاء.

فالبصبر تنال الأمم مبتغاها وتحلق في فضاء الحرية الكبرى، وبالحلم الجميل تقدم البشرية التضحيات الجسام في سبيل الحق، ولعل أروع البذل والعطاء هو التضحية بالنفس وهو غاية الجود والكرم، وهنا تكمن خاصية الصبر في أنقى صوره الممكنة التي لا يمكن أن تصفها الكلمات وتعجز أمامها الحروف.

فبالشهداء وحلم أهاليهم وأحبتهم تتحقق المطالب وتسقط الدكتاتورية، وبالأسرى وصبرهم الجميل رغم القيود والتعذيب والتنكيل الرهيب تتحقق المطالب الحقة، وبالجرحى وآلامهم وعذاباتهم يزدهر المجتمع الطامح لكسر قيود الطغات واسقاط عروش الظلمة.

فكيف الحال بمن شمل الحالات الثلاث جميعاً، فتارةً هو معتقل يتعذب ويضرب بوحشية ويهدد بعرضه وشرفه لا لشئ إلا مطالبته بالحرية، وتارةً أخرى هو جريح أصيب بقنبلة صوتية مزقت بعض أحشائه وناثرت دمه على التراب ليطهره بنقاءه، وتارةً ثالثة هو الشهيد الذي قضى في الميدان وسقط مختنقاً وبقي يعالج روحه لعدة مرات حتى جاء يومه وقضى اختناقاً بالغازات السامة، إنه صبري محفوظ شهيد البحرين الأعز.

أي صبرٍ هو صبري، تحمل عذابات القيود ووحشية تعذيب القتلة في ظلمات السجون، لم تفارقه الابتسامة رغم الجوع والضرب والحرمان والألم، واصل حراكه بعد الإفراج عنه فأصيب أكثر من مرة في الميادين فكان لؤلؤتها الراقية وبطلها المنتصر بدمائه القانية، وغشي عليه مرات متعددة من فرط استخدام الغازات السامة من جهة ووقوفه في وجه المرتزقة رغم قمعهم من جهة ثانية فكان آخر من ينسحب من المواجهات البطولية بعد أن يطمئن على سلامة صحبه وأقرانه. وقضى شهيداً مختنقاً بالغازات السامة لتكون خاتمته مسكاً لا مثيل له، فصبري هو العطر الراقي الذي لن يتكرر.

يحق لك يا صبري أن تفخر، فوجهك القمر المتلئلئ في ليلة كماله خط لنا نهج الثورة الصادقة، عيناك تحكي النصر المؤزر القادم رغم وعورة الطريق، ابتسامتك ترسم لوحة الأمل بغدٍ أفضل للبحرين بدون آل خليفة، وروحك المعطاءة في خضم الجراحات والقيود والعذابات عزفت أنشودة الصبر العظمى، فأنت مدرسة الجهاد والتضحية والعطاء، ولسان حال شباب الثورة يقول عرفاناً لبطولتك واخلاصك:
إن صبري جبلٌ شامخ .. راسخ
لم يكن يوماً رماداً في مهب الريح

قبسٌ ملتهبٌ صبري .. يجري
جريان الماء بالتهليل والتسبيح

صدمت فيه الجراحات .. حتى
أنها قد جُرِّحت في غاية التجريح

والمآسي عنه تلتم .. تمضي
أي صبر رزأه قد كابد التجريح*

فسلامٌ عليك يا صبري يوم ولدت، ويوم ترعرت شاباً ثورياً مخلصاً للوطن، ويوم عذبت في السجون الخليفية بكل حقدٍ ووحشية، ويوم أصبت ونزفت دمك من أجل الحرية، ويوم استشهدت مختنقاً بغازات حمد السامة، ويوم تبعث حياً نقياً صافياً كصفاء روحك يا قدوة ثوار البحرين.

ليث البحرين
٢٠-٣-٢٠١٢

*من قصيدة (سلامٌ على الإمام الحسين) للشاعر عبد الله القرمزي وأداء الرادود صالح الدرازي، ليلة الأربعين في مأتم بن سلوم سنة ١٤١٧ هجرية.



الوداع


غاب الناس، عمت أجواء الألم، أغلقت غالبية المضايف، حلت علينا دقائق انكسار وترقب وجراحات، ذهبنا للصلاة جماعة رغم البرد القارص والرياح المحملة بالأتربة، كان عددنا معقولاً ولكنه ليس بالحجم السابق، وقلوبنا مفجوعة بصورة مخ أحمد فرحان الذي تناثر على تراب ستره وكيف قد حوصرت جزيرتها تماماً وقطع عن الكثير من أحيائها الماء والكهرباء.

إنها ليلتنا الأخيرة بميدان الشهداء، أعيننا تتأمل الأحبة، أحدنا يودع الآخر بنظرات كلها محبة وايمان بقضاء الله وقدره، وبعد انتهائنا من صلاة العشائين جماعة توجهنا لله، أليس بذكر الله تطمئن قلوب الصابرين، هتفنا وأيدينا مرفوعة إلى السماء، بصوتٍ خاشع وقلبٍ مؤمن بالرب: يا منتقم .. يا منتقم.

تشكلت حلقة ثانية بالسماء، حلقة من نور على اتساع ميدان الشهداء، كنا رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً ومن كل الأعمار، ننظر بتعجب لمنظر هذه الهالة النوراء أثناء تكرار الهتاف بدموعٍ صادقة، فواللهِ لم تكن أرواحنا متصلة بالله مثل تلك الليلة، فكانت دائرة النور رسالة للمخلصين منا: أنتم بعين الله فلا تهنوا ولا تجزعوا.

رجعنا لخيامنا متلهفين لنقضي الوقت معاً، نرمق بعضنا بعضاً بصمتٍ قاتل، تبادلت قلوبنا أحاديث محبتها ودفئ حنان تربيتها الراقية، حينها أغمضت عيني لأهرب من دموعٍ تتساقط رغماً عني، أخفيت وجهي فلا استطيع رؤيتهم بدون دموع فقلبي يخفق عشقاً لأحبتي.

لحظات وانطلق مسير الدعاء، من دعاء لدعاء ودموعنا تنهمر عشقاً للشهادة واستعداداً للبذل في سبيل الله، وجاء الرادود الرائع علي حمادي ليقرأ أروع ما سمعت أذناي من دعاء، الله الله من شجى صوته الذي ما إن أغمضت عيناي إلا وانتقلت روحي إلى فيافي كربلاء، أسبح في بحر العشق المنهمر من دموع الحسين والحوراء في ليلة العاشر، نعم لقد عشت تلك الأجواء دمعةً دمعة وغصةً غصة.

ازددنا يقيناً بإرادة الله، توثبنا من دموعنا الإرادة واستعدت أنفسنا للعطاء غداً، ولكن ما زالت الروح تحتاج دفعاً ثورياً يفجر غضبها بعد جرائم مجزرة ستره، وهنا أطلقها بهدوءه الثوري "صمود"، إنه الرمز الوطني الكبير الدكتور عبد الجليل السنكيس، الذي في خلال دقائق معدودات أعاد الغضب للجموع المحتشدة في ميدان الشهداء، كررها مراراً: صبر وصمود وتضحية تساوي جميعاً النصر.

كادت الصورة أن تكتمل، فالإيمان بقدرة الله وحكمته وقضاءه تكامل مع الغضب الثوري والاستعداد للبذل والعطاء، فكلاهما عنوانان لكتابٍ واحد ومنهجٍ واحد، ولكن لابد من مقطوعة تكمل هذه السمفونية الخالدة.

وعندها حانت لحظة الدموع، أصعب لحظات ليلة عاشر ميدان الشهداء، لحظة وداع الأحباب، جاءت إحدى أخواتي لخيمتي، عانقتني بحرارة ودموعها لا تتوقف عن النزول وهي تشمني، ودعتني وداع الذاهب لموته لا محاله، وبعدها ودعت زوجتي وأطفالي، مسحت على رؤوسهم كما يمسح الناس على رؤوس الأيتام، فلا أعلم ما الذي سيحدث لهم بعد غيابي وفقدي، عجزت عن التوصية والكلام تماماً. وهذا حدث مع كل شاب وحرة ودعوا أهاليهم للبقاء في ميدان الشهداء.

لقد تذكرنا في كل موقف من مواقف تلك الليلة توديع الحسين لعائلته، الوداع والفراق وحسرة الغربة وقلة الناصر والثبات رغم الآلام، تأملنا ونحن نودع أحبتنا لوعة سكينة ونساء أهل بيت النبي لأحبتهم، لقد كانت ليلة عاشوراءنا التي لن تُمحى من الذاكرة، إنها الليلة التي مشينا فيها نودع بعضنا بعضاً، نودع ميداننا الغالي، نتصفح حناياه ونقبل أرجائه ونلثم ترابه، الليلة التي سبقت الجريمة الكبرى بإحتلال الميدان واسقاط نصبه وارتكاب الجرائم التي لا حصر لها، إنها ليلة الوداع.

ليث البحرين
١٥-٣-٢٠١٢





يا حمد إنته المسؤول


يوم الجراحات الدامية قد أقبل، حيث لم تشهد البحرين مجازر مرعبة مثل هذا اليوم، جيشٌ أجنبيٌ جاء بعتاده وسلاحه ليحتل البحرين برضا الحاكم ليقوم نيابةً عنه بما عجز عن القيام به، فنظام هذا الحاكم قد سقط عملياً ولابد لحلفائه من التدخل العسكري لتنصيبه مجدداً ملكاً على شعبه الذي رفض غالبيته حكمه.

إنه يوم ١٥ مارس ٢٠١١، يوم مجزرة سترة التاريخية التي ارتكبها جيش درع الجزيرة بقيادة سفاحي الجيش السعودي بكل برود دم، قتلوا وعذبوا وسفكوا الدماء وصبغوا ستره باللون الأحمر وبشهداء ثلاث لخصوا بظليمتهم كل مظلومية شعب البحرين.

فبعد ما حصل من هزيمة تاريخية للنظام بجيشه ومرتزقته وبلاطجته يوم ١٣ مارس ٢٠١١، لجأ النظام لإدخال جيوش أجنبية للبحرين لإعادة تنصيبه مجدداً وتدعيم حكمه الوحشي، وكذلك استخدم ورقة البلطجية لنشر الرعب في القرى والبلدات، وكان الهدف من اشاعة الاضطرابات الأمنية التي قادها مسلحون مدنيون أمرين:
١- تبرير نزول الجيش ودخول درع الجزيرة.
٢- تخفيض الحضور الجماهيري في ميدان الشهداء لأقل عدد ممكن قبل الهجوم عليه.

ولكن اصطدمت هذه الخطة بحاجز مهم جداً، وهو تواجد الثوار الكثيف بالميدان الذي ساعده الإضراب العام بالمدارس ومواقع العمل، ولتقليل العدد قدر المستطاع تم انزال الجيش والمرتزقة بملابس مدنية بكثافة يوم وليلة ١٤ مارس ٢٠١١، في كل مناطق وبلدات البحرين، ورغم ذلك فشلت الخطة مجدداً لسببين:
١- غالبية من يحضرون لميدان الشهداء هم من قرى ستره وقرى شارع الشهداء "شارع البديع سابقاً".
٢- وجود الآلاف من الأهالي يأتون من مدينة عيسى ومدينة الزهراء "مدينة حمد سابقاً".

وهنا كان لابد من النظام لإحتلال ميدان الشهداء من عزل المنطقتين صاحبتي أعلى كثافة سكانية تدعم الثورة، جزيرة ستره وقرى شارع الشهداء، وهذا ما قام به النظام في يومي ١٥ و١٦ مارس ٢٠١١، فتم انزال درع الجزيرة ومحاصرة ستره وبعدها بيوم تم انزال الجيش ومحاصرة قرى شارع الشهداء تزامناً مع احتلال الدوار وعسكرة مستشفى الشهداء "مستشفى السلمانية سابقاً".

جاء صباح ١٥ مارس، أشرقت الأرض بنور ربها وستره مطمئنة بحماية رجالها الأشاوس لأعراضهم وبيوتهم، سويعات ويقدم درع الجزيرة ويغلق جسر ستره وإشارات العكر وإشارات البندر، لقد حوصرت الجزيرة من الجهتين ولم يبقَ منفذ للأهالي للنجاة، مدرعات لها بداية وليس لها نهاية، دبابات وأسلحة لم تستخدم مطلقاً، جيش ممتلئ بالحقد الطائفي فلديه قتل المسلمين المخالفين له بالطائفة من أعظم القربات لله تعالى، إنه الجيش السعودي الذي لم يقدم لفلسطين صولة واحدة، لم يهز للقدس راية واحدة، فبطولاته سطرها بقتل شعب البحرين الأعزل عوضاً عن تحرير فلسطين المحتلة.

أشلاء متناثرة، ضلوع مكسرة، أرواح أزهقت، أعراض انتهكت، لقد قتل الإسلام في ستره يوم مجزرتها، شباب دهسوا تحت مركبات جيش القتلة، نساء وأطفال ارعبوا بزخات الرصاص الحي وقاذفات الدبابات، استخدم الرصاص الحي ضد شعب البحرين الأعزل ولكنه قاوم بصدره العاري، وجاهد في سبيل الله ولرفع راية الحق الصداحة بالحرية والمثابرة.

ودفاعاً عن المساجد التي قصفت والمنازل التي استبيحت قدمت ستره قربانها الأعظم الاستشهادي المخلد أحمد فرحان، ركب سيارته محاولاً شق طريقه لصد القتلة وهو ذاهباً للموت مختاراً عزته وكرامته على حياته فباغته سلاح قناصة درع الجزيرة بطلقة اخترقت دماغه وانفجرت بداخله فسقط مخه على تراب عاصمة الثورة، لقد قتل بطل الميدان دفاعاً عن مقداسته وكرامته، أعطى دافعاً قوياً للشباب فخرجت ستره عن بكرة أبيها مقاومة للإحتلال ولكن القتلة واصلوا إطلاق الأعيرة النارية الحية وتم قطع الماء والكهرباء عن بعض الأحياء وبعد ساعات تم احتلال ستره بالكامل ودخول المرتزقة بحماية مئات الدبابات الغازية مخلفة وراءها عشرات الإصابات الخطيرة والمفقودين والجراحات التي لن تندمل مطلقاً.

أحد المفقودين سلموه لأهله بعد ساعات، جمجمته محطمة، رأسه مكسر، جسمه عليه آثار تعذيب رهيبة بحيث أن رجليه ويديه كُسرت وأضلاعه هُشمت، تم تجبيس رأسه لأنه كان ينزف دماً عبيطاً رغم تغسيله مرات متعدده، إنه أول شهداء الثورة تحت التعذيب الشهيد المظلوم عيسى آل رضي الذي حكى جثمانه الطاهر رحلة عذاب لا يمكن أن تخطر على بال بشر.

ودفاعاً عن حرائرنا اللائي تعرضن لأقصى العقوبات والتحرشات من جيش درع الجزيرة، استشهد البطل الهندي أكلاس مياه وهو يدافع عن نساء البحرين، رغم اختلاف العقيدة والانتماء ولكن غلبته انسانيته ليضحي بروحه بفطرته بينما من يرفعون شعار "لا إله إلا الله" سلخت التربية المحمدية من أرواحهم فكانوا وما زالوا شياطين الأرض ودعاة الفساد وسفك الدماء بها.

هذه الجريمة النكراء ارتكبت في ستره بعلم ومباركة جميع أطراف النظام ورموز العائلة المالكة وعلى رأسهم الملك الساقط حمد بن عيسى آل خليفة، جريمة يشيب لها شعر الطفل الرضيع من فظاعة مشاهدها وما حصل بها من آلام لا تحصى، فحمد هو من لبس بزته العسكرية وأمر بإرتكاب جريمة الخميس الدامي، وهو من قتل الشبان وأنزل الجيش في فبراير ٢٠١١، وهو من بارك علناً واحتفل بمهرجانات رقص بها بسيوفه مع أولاده القتلة على دماء الشهداء وعذابات الجرحى وآلام عوائل الضحايا وأحبتهم، هو القاتل لا غيره ولا يجوز أن نحمل خليفة المجرم كل ما حدث.

يا حمد أنت المسؤول عن كل ما حدث بالبحرين منذ صباح ١٤ فبراير ٢٠١١ حتى هذه اللحظة، يا حمد إن شعار اسقاطك هو شعار مركزي لن يتنازل عنه أسياد النزال، فسقوطك هو سقوط للمنظومة الأمنية المخابراتية التي قادت حملة إبادة جماعية ضد شعب البحرين وأرادت تغيير تركيبة البحرين السكانية الديموغرافية من خلال ما تم فضحه في تقرير البندر من مخطط تجنيسي خطير يماثل ما فعله الصهاينة بالقدس الأسيرة، يا حمد حتى أطفالنا تهتف بإسقاطك وتطلق صوت الأبواق وتضرب على الأبواب بنغمة تن تن تتن "يسقط حمد"، فأنت أنت الذي سنسقطه بدماء الشهداء وتحت راية اسقاط النظام، ولتعلم يا حمد أنك مهما فعلت أو قلت أو حاولت أن تخفي جرائمك أنك إلى زوال ونحن شباب وحرائر وأحرار الثورة لن نتنازل عن هتافنا الصريح:
يا حمد إنته المسؤول .. عن كل سجين ومقتول.

http://t.co/DLOvcdd
http://t.co/YbaJj31
http://t.co/o6UqXiv

ليث البحرين
١٤-٣-٢٠١٢


قاوم .. فيداك الإعصار


١٣ مارس ٢٠١١، أعظم أيام ميدان الشهداء، يوم الكرامة، يوم الحرية، ويوم سطرنا كشعب ثائر ملحمة الصمود الحقيقي، يوم ترجمنا كل شعارات الثورة لحقيقة واقعة في درب البحث عن الحرية المسلوبة منذ مئات السنين.

فجر ذلك اليوم هجم مرتزقة النظام على بضعة عشرات من الشبان المعتصمين أمام المرفأ المالي، وقد حاصر المئات من قوات شرطة المجتمع الخيام القليلة المتناثرة أمام المرفأ، الذي يملكه خليفة بن سلمان بمبلغ تدمع له العين وهو دينار بحريني واحد، في واحدة من مهازل النظام اللا محدودة.

قوات شرطة المجتمع لم تكن مسلحة ولكنها مدعومة بالآلاف من مرتزقة الشغب الذين كانوا مدججين بالأسلحة ومستعدين للتدخل السريع في حالة رفض الشباب الانسحاب من أمام المرفأ المالي، وحصلت مشادة حادة جداً بين أحد كبار الضباط والشباب المعتصمين سلمياً وهددهم خلالها بالضرب بيد من حديد في حالة اصرارهم على البقاء، وكلها لحظات وانفجر الموقف وتم ضرب الشبان الذي دافعوا عن أنفسهم بكل ما أوتوا من قوة ليتقهقهر المرتزقة بصمود الثوار ومعهم كل من جاء لقمعهم.

وما هي إلا دقائق ليرتب المرتزقة صفوفهم ويهجمون بوحشية رهيبة جداً لا يمكن أن ينساها من تواجد صباح يوم ١٣ مارس ٢٠١١، لقد استخدموا سلاح غريب لم يستخدم إلا نادراً طوال فترة الثورة وهو سلاح غازات الأعصاب، التي سقط بسببها مئات الشباب متشنجين لساعات وملئوا جنبات مستشفى السلمانية، ومن أصيب بهذه الغازات بقي عاجزاً عن الحركة أو الصراخ طوال فترة اصابته في منظر بشع هز وجدان كل من شاهده وحضره وشهد عليه.

ونتيجة لإستخدام القمع المفرط وغازات الأعصاب والغازات السامة استطاع مرتزقة النظام السيطرة على ساحة المرفأ المالي واحتلال جسر الشهداء المطل على الميدان "دوار اللؤلؤة"، وقد تم استجلاب الآلاف منهم استعداداً لإحتلال الدوار.

هنا حدث أمران، الأول انتشار خبر الهجوم والسيطرة على المرفأ المالي بكل وسائل الاتصال بسرعة البرق مما أدى لخروج الآلاف من وظائفهم والتوجه للميدان طوعاً واختياراً دفاعاً عن أرضهم المقدسة. الأمر الثاني كان الصمود الشعبي التاريخي للقلة التي كانت نائمة في ميدان الشهداء وكان عددهم لا يتجاوز الألف ثائر فقط ليس معهم ما يدافعون به عن أنفسهم. لقد صمدوا وانتظروا لوحدهم بالميدان مواجهين الأسلحة الفتاكة بصبر وتطلع لتوافد الأبطال من كل البحرين لنصرتهم، وخلال نصف ساعة وصل عشرات الآلاف من الأبطال نساءً ورجال، أطفال وشبان وشيوخ، أتوا حباً وطوعاً وفداءً للوطن بالدفاع عن ميدانهم الأعز، فكان لهم ما أرادوا.

بين كرٍ وفر، وصمود منقطع النظير، وثبات للشباب الثوري في وجه المرتزقة وتسلقهم للجسر وإلتحامهم المباشر مع قوات الإرهاب الخليفي استطاع الأحرار ردع المرتزقة الذي حاولوا لأكثر من ٦ مرات النزول للميدان وفشلوا فشلاً ذريعاً في كل مرة، حتى جاء للميدان شيخه وهتف من على المنصة "الميدان خطٌ أحمر"، إنه الشيخ محمد حبيب المقداد وهل يخفى القمر.

كانت الساعة تشير للعاشرة والنصف صباحاً حينما أعطى الشيخ المقداد إنذاراً شديد اللهجة، إما أن ينسحب المرتزقة من فوق الجسر أو أن يقوم الثوار بتحريره بأجسادهم العارية، ومرت الدقائق والثواني بطيئة ونحن بإنتظار لحظة الثورة الكبرى، وقبل أن تحين بخمس دقائق انفجر بركان الغضب، لقد هرول الآلاف مقدمين أرواحهم على أكفهم متجهين للقتلة فوق الجسر مؤتزرين سلاح الإيمان بالمدد الرباني والرعاية الإلهية لثورتهم، لقد تم تحرير الجسر خلال ٣ دقائق فقط ولم نكتفي بذلك، طاردناهم جرياً من فوق جسر ميدان الشهداء وصولاً لتقاطع السيف ومجمع البحرين واستمرت المواجهات حتى صلاة الظهر حيث انسحب المرتزقة تماماً وفرض الثوار سيطرتهم الكلية على الميدان وساحة المرفأ المالي.

حينها سقط النظام عملياً، هوى في قعر فشل حلوله الأمنية ولم يعد له ورقة يلعب بها بعد أوراق انزال البلطجية والجيش والمرتزقة، فلجأ لإدخال جيوش أجنبية للبحرين بائعاً لحريتها من أجل أن يستمر القتلة بحكمهم ولو تحت رحمة الاحتلال السعودي ومباركة الإدارة الأمريكية لكل الجرائم التي حدثت تباعاً من مجزرة سترة واحتلال ميدان الشهداء وقتل الأنفس التي حرم الله قتلها وهدم المساجد وإحراق المصاحف.

لذلك كان يوم ١٣ مارس يوماً تاريخياً بكل المعاني، هو يوم انتصر به الشعب على نفسه وحطم جبروت حكامه وهيبتهم للأبد، وهو نفس يوم دخول قوات درع الجزيرة بقيادة الجيش السعودي لإحتلال البحرين والتحكم بإرادة شعبها.

فيا شعبي الأبي، ها قد مر عامٌ على هذه الذكرى فاصنعوا منها بركاناً ثانياً ملتهباً يسقط النظام للأبد، تحت راية الحق انفجروا حمماً لا تهدأ، قاوموهم بدمائكم وجماجمكم، فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين.

قاوموا، نعم قاوموا الاحتلال، فالشعوب تتحرر بالمقاومة لا بالحوار، لا تتنازلوا بعد كل هذه الجراحات لمن أذاقكم العلقم والذل بأبشع صوره الممكنة، قاوموا بقبضاتكم الثائرة وأحرقوا مراكز تعذيبهم وكل ما يرمز لوحشيتهم وتغطرسهم، قاوموا من أجل البحرين، قاوموا قاوموا قاوموا، قاوموا فيداكم الإعصار الذي سيدمر الاحتلال ويعيد البحرين لأهلها.

قاوم فيداك الإعصارُ
لا تخضع فالذل دمارُ
وتمسك بالحق فإن الحق سلاحك مهما جاروا

قاوم فيداك الإعصارُ
وتقدم فالنصر قرارُ
إن حياتك وقفة عزٍ تتغير فيها الأقدارُ

http://t.co/AcXFH8j

ليث البحرين
١٢-٣-٢٠١٢



ملائكة الصمود



الصمود، ليس كلمةً تنطق ولا حرفاً يقال، الصمود هو التحدي بالثبات على المبدأ وتجرع الجراحات والعذابات بكل أريحية وبإبتسامة تخفي الألم في سبيل تحقيق الأهداف السامية.

ولعل صمود الأنبياء والرسل في وجه أعداء الله والانسانية هو مضرب الأمثال، والحال نفسه مع أحرار وثوار العالم الذين سطروا بدمائهم وتضحياتهم وصبرهم صفحات من نور على جدار الزمن.

ومن أمثلة الصمود الراقية هي صبر سيد الخلق محمد "ص" في سبيل دعوة ربه، فهذا الصبر العظيم أثمر انتصار رسالته وخلودها ليوم القيامة وهو مصداق اختيار ربه له ليكون خاتم المرسلين، والثبات على المبدأ ما كان ليكون لولا المدد الإلهي ودعم بعض أشرف البشر لخدمة الرسول الأعظم، ومن أبرزهم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام.

لقد وقفت السيدة خديجة موقفاً تاريخياً مشرفاً بدعمها اللا محدود لزوجها في دعوته وجهاده، فضحت بكل ما تملك في سبيل راحته ونجاح نبوته وتحقيق ما يصبو إليه، تراها تبذل مالها كله فداءً للرسول تارة، وتعتكف معه في شعب أبي طالب لثلاث سنين عجاف تارةً أخرى، تنتقل من حياة الدلال والغنى إلى حياة التقشف لتسهر على راحة زوجها، تمسح عنه معاناته وتخفف عن كاهله الأعباء، ومن مثلها وهي أول من آمنة بمحمدٍ من النساء. كل هذا وأكثر قدمته خديجة وقدمته نساء الاسلام من أجل الحق، وهل يخفى علينا أن أول شهداء الاسلام هي سمية أم عمار بن ياسر.

فللنساء دور محوري في انجاح أي ثورة أو رسالة عقائدية كانت أو فكرية، تحررية أو تصحيحية. إن للمرأة دور لا يماثلها به أحد، فهي الأم التي تقدم فلذة كبدها فداءً للقضية، وهي الزوجة التي تودع زوجها وتقدمه قرباناً من أجل الحرية، وهي الأخت التي تدعو بنصر وسلامة أخوانها في ساحات النضال وتعالج جرحاهم، وهي الابنة التي تعين عائلتها في ظل غياب الأحبة سواء شهداء أو جرحى أو معتقلين.

ولدينا نماذج ماسية من النساء قدمتها ثورتنا المباركة، فمن مثل رولا الصفار بحنانها وانسانيتها، من مثل جليلة السلمان بصبرها وعزيمتها، من مثل معصومة السيد وأميرات الميدان في جهادهن وشجاعتهن، ومن مثل مدرساتنا وطبيباتنا وفناناتنا وشاعراتنا اللائي قدمن الغالي والنفيس وتحملن التعذيب والتهديد والتحرش وصولاً لبعض حالات الاغتصاب الجنسي وكل هذا قدمنه لايمانهن الصادق بالحق والحرية.

ومن أروع الأمثلة على الاطلاق ما قدمته عائلة الخواجة من نماذج مخلدة للانسانية، فوالدة عبد الهادي الخواجة قدمت رمزين وهما صلاح وعبد الهادي اللذين عذبا بوحشية وهمجية تقشعر لها الأبدان وهي صابرة محتسبة، وزوجة عبد الهادي الخواجة قدمت زوجها المضرب عن الطعام لشهرٍ كامل ونادته من خالف الأسوار بقلبٍ كظيم: (أريدك حراً أو محمولاً لقبرك، فلا تليق بمثلك إلا الحرية). أما بناته فهن لآلئ نشرها عبد الهادي الخواجة بعطره البهيج على ساحات الوطن لتبلسم جراحاته، فابنته زينب هي بطلة الثورة بلا منازع وهي الوحيدة التي أعتقلت ٣ مرات والوحيدة التي أطلق اسمها على أحد الميادين العامة "دوار زينب الخواجة" وهي زوجة أحد أبطالنا الذي قضى شهوراً طوال تحت التعذيب والتهديد النفسي الرهيب انتقاماً من زوجته ووالدها قبل الإفراج عنه مؤخراً، وابنته مريم هي سفيرة ثورتنا فوق العادة للعالم أجمع وهي أول من تحدث علناً مع قادة أمريكا بإحراجها لوزيرة خارجيتهم في محفل رسمي بكل حزمٍ ولباقة، وابنتيه الباقيتين إحداهما زوجة المناضل الحقوقي المسقطي والأخرى خطيبة أحد أبطالنا الذي قضى ٦ شهور رهن الإعتقال وأطلق سراحه بعد تعذيبه ببشاعة.

وهذه ليست إلا نماذج قليلة من نماذج رائعة كثيرة لو حاولنا أن نجمعها واللهِ لن نستطيع، فأمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا وكل حرائرنا قد قدمن للثورة ضعف ما قدمه الرجل، فهي من تدفعه للخروج بالمسيرات ومقاومة المرتزقة، وهي من تعالجه حين اصابته، وهي من تحتضنه عند عودته، وهي من تدعو لصلاحه وسلامته واطلاق سراحه، وهي من تصبر على فراقه إذا استشهد أو اعتقل، وقبل كل ما سبق فهي التي تشاركه جنباً لجنب في مسيرات التحدي تحت راية اسقاط نظام القتلة.

لله دركن يا نسائنا، فتضحايتكن شعلة تنير لنا درب الكرامة، نفتخر بما تقدمنه ونشعر بالخجل في قبال شجاعتكن، وهل هناك تضحية أكبر من بذل النفس وقد قدمت ثورتنا ١٦ شهيدة من ضمن ٧٥ شهيداً للثورة بما يشكل ٢١٪ من إجمالي عدد الشهداء وهي نسبة كبيرة تعبر عن عمق تواجد النساء بساحات جهاد الثورة.

فسلامٌ عليكن يا معنى الثبات ومعدن الصمود، وتحية من القلب لكن يا خير النساء، نفتخر بكن ونرفعكن تاجاً فوق رؤوسنا، فإن كن الممرضات ملائكةً للرحمة وهو واقع، فإن نساء ثورة ١٤ فبراير في البحرين هن "ملائكة الصمود" بلا منازع.

ليث البحرين
٨-٣-٢٠١٢



لبيكِ يا بحرين



لبيكِ يا بحرين،
لبيك يا موطني بدماء الشهداء،
لباك القاسميون بدماءهم وضحوا من أجل عينيك بأشلائهم،
لباك علي بداح بأضلاعه المحطمة تحت حوافر مصفحاتهم المعدة لتدمير مساجدنا،
لباك علي الشيخ وهو يصلي صلاة عيده ولم يلبس ثيابه الجديدة بعد بل ابدلها بكفنه،
لباك علي القصاب حين طاردوه وهرباً منهم قفز على شارعٍ فرعي لتدهسه سيارات القتلة،
لباك أحمد فرحان بدماغه الذي تناثر على تراب ستره الطاهر،
لباك عباس الشيخ الذي ملأ الساحات بصرخاته وجهاده ومقاومته،
لباك يوسف موالي الذي سقى الماء بعذب حنانه وطيبة قلبه.

لبيكِ يا بحرين،
لبيك يا موطني بعذابات الجرحى،
لباك اكثر من ٦٠ بطلاً وبطلة بعيونهم اللائي ذهبن فداءً لك يا قرة العين،
لباك اكثر من ٥ جرحى بعاهات مستدامة وفقدان الذاكرة،
لباك المئات من الشبان والحرائر بعذاباتهم وهم جرحى بالرصاص الإنشطاري "الشوزن" ومسيلات الدموع والرصاص المطاطي،
لباك من كتموا صراخاتهم وآلامهم وعولجوا بإنتزاع الشظايا من أجسامهم بدون تخدير "بنج" يخفف عنهم معاناتهم.

لبيكِ يا بحرين،
لبيك يا موطني بآهات الأسرى والمعتقلات،
لباك كريم فخراوي وهو يرفض ان يهتف بحياة الساقط حمد فعذبوه حتى الموت،
لباك علي صقر وحسن فردان وزكريا العشيري معذبين للرمق الأخير في غياهب السجون،
لباك عيسى آل رضي بجمجمته المحطمة وجسمه المهشم الذي بكت له السماء،
لباك عزيز عياد وهو رافضاً لقتل أبناء شعبه فأعدموه تحت جنح الظلام.

لبيكِ يا بحرين،
لبيك يا موطني بصبر حرائرنا ومنهن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا،
لبتك نسائنا مرميات على وجوههن في مجمع السيتي سنتر يتصفح أجسامهن القاصي والداني،
لبتك ممرضاتنا وطبيباتنا وهن يخاطرن في علاج جرحانا في ساحات الجهاد والمقاومة،
لبتك مدرساتنا وطالباتنا وهن يقاومن المرتزقة من أجل وطن يزدهر بالعلم والمحبة،
لبتك أعراضنا التي اغتصبت في سجون آل خليفة حتى حملت بعض فتياتنا من سفاح.

لبيكِ يا بحرين،
لبيك يا موطني بجراحات الإسلام،
لبتك مساجدنا التي هدمها جيش درع الجزيرة بقيادة السعودية حتى بكت مكة والمدينة بصمت على هذه الجريمة،
لبتك مآتمنا التي ضربت وأحرقت وهوجمت ولم يحترمها القتلة،
لبتك شعائرنا التي منعت في دولة تعلن اسلامها وتسمح لليهود والنصارى والمجوس بحرية إقامة شعائرهم ولكنها منعت المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية.

لبيكِ با بحرين،
لبيك يا موطني بقليل ما قدمته لعينيك الجميلتين،
لباك جلد يدي المحترقتين في محرقة السنابس،
لباك ظهري وأرجلي الذين تورموا من ضرب المرتزقة،
لباك سعيي في ساحات تقارير المصير ثائراً حراً لا يرضى حكماً للقتلة،
لبتك أمي التي تودعني بدموعها ولا تنام حتى تطمئن أني عدت سالماً،
لباك والدي الذي رباني على الحرية والمقاومة وما بخل لحظة بي من أجل ديني ووطني،
لبتك زوجتي وهي تودعني ولا تعلم هل سأعود لها مصاباً أو محمولاً على الأكتاف لقبري،
لبتك عائلتي التي احتضنتني طيلة فترة الثورة وساعدتني لأعيش حياة كريمة بعد فصلي من عملي.

لبيك يا بلدي، لبيتك وسأبقى ألبيك، فما زال لدي جلد لم يحترق، وما زال لدي قلبٌ ينبض بالمحبة والكرامة، وما زال لدي القوة لأصرخ هاتفاً:
بالروح بالدم نفديكِ يا بحرين.

وطني، سألبيك دائماً وأبداً في ميادين الجهاد، بين الغازات السامة وزخات الرصاص، مع القلة الفدائية الثائرة، تحت راية العز الحقيقية التي زلزلت كيان النظام الخليفي المحتل بدماء شهدائنا الأبرار، هناك حيث الشعار المركزي يسقط حمد، وهتاف الحناجر من قلوبٍ صادقة: الشعب يريد اسقاط النظام، هناك حيث نتقدم للشهادة بلا تردد، هناك حيث يجمعنا رغم الجراحات الرهيبة حب الوطن لنعزف اللحن الجميل الذي تذوب في معانيه تغاريد الألم لتصنع الأمل بغدٍ مشرق لهذا الوطن، هناك حيث تلبياتنا بدمائنا وأرواحنا نرددها بعشق الوطن:
لبيكِ يا بحرين
لبيكِ يا بحرين
لبيكِ يا بحرين

ليث البحرين
٥-٣-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق