لا تبكي يا عزرائيل
عزرائيل، من ملائكة الله الشداد وعبيده المقربين، من أشرف الكائنات وأرقى المجدين في خدمة خالقه، المخلصين في طاعته وعبادته، وهو الذي أوكل له الرب جل وعلا مهمة حصد أرواح البشر وقطفها حين تحين ساعتها وهو مصداق قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ).
فالمليارات من البشر قد قطف أعمارهم عزرائيل، فمنهم من مات غريقاً ومنهم المحترق، منهم المريض ومنهم الجائع الغريب، ومنهم من مات تحت التعذيب في دهاليز السجون، كلهم حصدهم وسيحصد أرواحنا جميعاً عاجلاً أم آجلاً فهو الموكل بهذه المهمة الذي لا يتوانى عن القيام بواجبه رغم مشاق عمله العظيم، فخروج الروح من الجسد هو أصعب أمر يمر به الانسان فكيف بملك الموت وهو من حصد أرواح الأجنة في أرحام أمهاتهم، وكم من موءودة دفنت تحت الثرى ظلماً وعدواناً أخذ روحها ملك الموت وهو في كظمٍ عظيم، وكم من رجلٍ وإمرأة قد حصد أرواحهم وهو يبكي على حالتهم الكارثية من جوعهم وعطشهم أو التعذيب الوحشي الرهيب الذي تعرضوا له وقضوا بسببه ببلائهم العظيم.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تحصد روح صلاح آل موسى، أبكيت عليه كما بكيت على شهداء كربلاء وأنت تنظر أجسادهم قد أثخنتها الجراح وأدمتها ضربات السيف ورصاصات السلاح.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تقطف روح صلاح ولديك علم اليقين بإنتظار زوجته وعياله الخمسة لعودته للمنزل، كما هي عادته بعد كل ليلة محتضناً لهم ومواسياً لأيتام شقيقه الذين كفلهم، أتدري أن زوجته بحثت عنه من بيتٍ إلى بيت، وفي جوفها نار كتمتها بصبرها، تسأل من يفتح الباب لها صباح اليوم تالي لحصدك روح حبيبها، تسألهم بصوتٍ منكسر وقلبٍ منفطر "شفتوا صلاح؟ تدرون وينه صلاح؟ طلع البارحة وما رجع". لقد ذكرتنا زوجة صلاح بموقف عقيلة الطالبيين وهي تبحث عن جسد أخيها الحسين ولسان حالها يتمتم دماً:
أدور عليك يا ابن أمي .. ولا واحد يدليني
أناديك بضعيف الصوت .. يا مظلوم حاجيني
ما حالك يا عزرائيل وأنت تأخذ روح صلاح، أبكيت عليه دماً وأنت ترمق جسده مبضعاً بالرصاص، رجلاه ويداه محطمة وأضلاعه مهشمة، رقبته مكسورة وجلد صدره محترق، فبماذا ذكرك جسد صلاح يا ملك الموت؟ أين طارت بك الذكريات في تلك السويعات الرهيبة؟.
رغم عدم مقدرتك على جواب أسألتي واستحالة ردك علي، لكني أعلم بما ذكرك به جسد شهيدنا صلاح يا عزرائيل، لقد عرفته أحاسيسي وتيقن به قلبي، لقد تذكرت جسد الحسين وهو مرضضاً بحوافر خيول بني أمية، لقد أوجعك مصاب صلاح فعاد بك للطفوف التي حصدت بها قمر بني هاشم وقد تناثر دماغه على كتفيه وأصيبت عينه وقطعت كلتا كفيه، لقد أبكاك صلاح يا ملك الموت الكريم فصوت قراءته للقرآن الكريم اقشعرت له ملائكة العرش العظيم.
هنيئاً للبحرين صلاحها، هنيئاً للشهيد ثباته وتضحياته، هنيئاً لصلاح دموع عزرائيل التي لا تتساقط إلا لكل فارسٍ حسينيٍ عظيم، وهنيئاً لصلاح جنة الخلد حيث سيشرب بكف المرتضى من حوض الكوثر شربة لن يظمأ بعدها أبدا.
ليث البحرين
في رثاء الشهيد القائد صلاح آل موسى
٢٧-٤-٢٠١٢
ما غسلوه ولا لفوه في كفنِ
عزرائيل، من ملائكة الله الشداد وعبيده المقربين، من أشرف الكائنات وأرقى المجدين في خدمة خالقه، المخلصين في طاعته وعبادته، وهو الذي أوكل له الرب جل وعلا مهمة حصد أرواح البشر وقطفها حين تحين ساعتها وهو مصداق قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ).
فالمليارات من البشر قد قطف أعمارهم عزرائيل، فمنهم من مات غريقاً ومنهم المحترق، منهم المريض ومنهم الجائع الغريب، ومنهم من مات تحت التعذيب في دهاليز السجون، كلهم حصدهم وسيحصد أرواحنا جميعاً عاجلاً أم آجلاً فهو الموكل بهذه المهمة الذي لا يتوانى عن القيام بواجبه رغم مشاق عمله العظيم، فخروج الروح من الجسد هو أصعب أمر يمر به الانسان فكيف بملك الموت وهو من حصد أرواح الأجنة في أرحام أمهاتهم، وكم من موءودة دفنت تحت الثرى ظلماً وعدواناً أخذ روحها ملك الموت وهو في كظمٍ عظيم، وكم من رجلٍ وإمرأة قد حصد أرواحهم وهو يبكي على حالتهم الكارثية من جوعهم وعطشهم أو التعذيب الوحشي الرهيب الذي تعرضوا له وقضوا بسببه ببلائهم العظيم.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تحصد روح صلاح آل موسى، أبكيت عليه كما بكيت على شهداء كربلاء وأنت تنظر أجسادهم قد أثخنتها الجراح وأدمتها ضربات السيف ورصاصات السلاح.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تقطف روح صلاح ولديك علم اليقين بإنتظار زوجته وعياله الخمسة لعودته للمنزل، كما هي عادته بعد كل ليلة محتضناً لهم ومواسياً لأيتام شقيقه الذين كفلهم، أتدري أن زوجته بحثت عنه من بيتٍ إلى بيت، وفي جوفها نار كتمتها بصبرها، تسأل من يفتح الباب لها صباح اليوم تالي لحصدك روح حبيبها، تسألهم بصوتٍ منكسر وقلبٍ منفطر "شفتوا صلاح؟ تدرون وينه صلاح؟ طلع البارحة وما رجع". لقد ذكرتنا زوجة صلاح بموقف عقيلة الطالبيين وهي تبحث عن جسد أخيها الحسين ولسان حالها يتمتم دماً:
أدور عليك يا ابن أمي .. ولا واحد يدليني
أناديك بضعيف الصوت .. يا مظلوم حاجيني
ما حالك يا عزرائيل وأنت تأخذ روح صلاح، أبكيت عليه دماً وأنت ترمق جسده مبضعاً بالرصاص، رجلاه ويداه محطمة وأضلاعه مهشمة، رقبته مكسورة وجلد صدره محترق، فبماذا ذكرك جسد صلاح يا ملك الموت؟ أين طارت بك الذكريات في تلك السويعات الرهيبة؟.
رغم عدم مقدرتك على جواب أسألتي واستحالة ردك علي، لكني أعلم بما ذكرك به جسد شهيدنا صلاح يا عزرائيل، لقد عرفته أحاسيسي وتيقن به قلبي، لقد تذكرت جسد الحسين وهو مرضضاً بحوافر خيول بني أمية، لقد أوجعك مصاب صلاح فعاد بك للطفوف التي حصدت بها قمر بني هاشم وقد تناثر دماغه على كتفيه وأصيبت عينه وقطعت كلتا كفيه، لقد أبكاك صلاح يا ملك الموت الكريم فصوت قراءته للقرآن الكريم اقشعرت له ملائكة العرش العظيم.
هنيئاً للبحرين صلاحها، هنيئاً للشهيد ثباته وتضحياته، هنيئاً لصلاح دموع عزرائيل التي لا تتساقط إلا لكل فارسٍ حسينيٍ عظيم، وهنيئاً لصلاح جنة الخلد حيث سيشرب بكف المرتضى من حوض الكوثر شربة لن يظمأ بعدها أبدا.
ليث البحرين
في رثاء الشهيد القائد صلاح آل موسى
٢٧-٤-٢٠١٢
فالمليارات من البشر قد قطف أعمارهم عزرائيل، فمنهم من مات غريقاً ومنهم المحترق، منهم المريض ومنهم الجائع الغريب، ومنهم من مات تحت التعذيب في دهاليز السجون، كلهم حصدهم وسيحصد أرواحنا جميعاً عاجلاً أم آجلاً فهو الموكل بهذه المهمة الذي لا يتوانى عن القيام بواجبه رغم مشاق عمله العظيم، فخروج الروح من الجسد هو أصعب أمر يمر به الانسان فكيف بملك الموت وهو من حصد أرواح الأجنة في أرحام أمهاتهم، وكم من موءودة دفنت تحت الثرى ظلماً وعدواناً أخذ روحها ملك الموت وهو في كظمٍ عظيم، وكم من رجلٍ وإمرأة قد حصد أرواحهم وهو يبكي على حالتهم الكارثية من جوعهم وعطشهم أو التعذيب الوحشي الرهيب الذي تعرضوا له وقضوا بسببه ببلائهم العظيم.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تحصد روح صلاح آل موسى، أبكيت عليه كما بكيت على شهداء كربلاء وأنت تنظر أجسادهم قد أثخنتها الجراح وأدمتها ضربات السيف ورصاصات السلاح.
ما حالك يا عزرائيل وأنت تقطف روح صلاح ولديك علم اليقين بإنتظار زوجته وعياله الخمسة لعودته للمنزل، كما هي عادته بعد كل ليلة محتضناً لهم ومواسياً لأيتام شقيقه الذين كفلهم، أتدري أن زوجته بحثت عنه من بيتٍ إلى بيت، وفي جوفها نار كتمتها بصبرها، تسأل من يفتح الباب لها صباح اليوم تالي لحصدك روح حبيبها، تسألهم بصوتٍ منكسر وقلبٍ منفطر "شفتوا صلاح؟ تدرون وينه صلاح؟ طلع البارحة وما رجع". لقد ذكرتنا زوجة صلاح بموقف عقيلة الطالبيين وهي تبحث عن جسد أخيها الحسين ولسان حالها يتمتم دماً:
أدور عليك يا ابن أمي .. ولا واحد يدليني
أناديك بضعيف الصوت .. يا مظلوم حاجيني
ما حالك يا عزرائيل وأنت تأخذ روح صلاح، أبكيت عليه دماً وأنت ترمق جسده مبضعاً بالرصاص، رجلاه ويداه محطمة وأضلاعه مهشمة، رقبته مكسورة وجلد صدره محترق، فبماذا ذكرك جسد صلاح يا ملك الموت؟ أين طارت بك الذكريات في تلك السويعات الرهيبة؟.
رغم عدم مقدرتك على جواب أسألتي واستحالة ردك علي، لكني أعلم بما ذكرك به جسد شهيدنا صلاح يا عزرائيل، لقد عرفته أحاسيسي وتيقن به قلبي، لقد تذكرت جسد الحسين وهو مرضضاً بحوافر خيول بني أمية، لقد أوجعك مصاب صلاح فعاد بك للطفوف التي حصدت بها قمر بني هاشم وقد تناثر دماغه على كتفيه وأصيبت عينه وقطعت كلتا كفيه، لقد أبكاك صلاح يا ملك الموت الكريم فصوت قراءته للقرآن الكريم اقشعرت له ملائكة العرش العظيم.
هنيئاً للبحرين صلاحها، هنيئاً للشهيد ثباته وتضحياته، هنيئاً لصلاح دموع عزرائيل التي لا تتساقط إلا لكل فارسٍ حسينيٍ عظيم، وهنيئاً لصلاح جنة الخلد حيث سيشرب بكف المرتضى من حوض الكوثر شربة لن يظمأ بعدها أبدا.
ليث البحرين
في رثاء الشهيد القائد صلاح آل موسى
٢٧-٤-٢٠١٢
هابيل، أول شهيد بالتاريخ، كرمه الله وقربه لتقواه وورعه وأخلاقياته الرفيعة، وشهد القرآن له بذلك حيث ذكر له موقفٌ يخلده العقل البشري ليوم يبعثون، حيث قال لأخيه قابيل "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين".
رفض هابيل أن يمس أخاه بالسوء رغم تيقنه أن قابيل سيقتله غيظاً وحسداً بعد تقبل الله قربان هابيل ورفضه قربان أخاه، فما كان إلا ما توقع الشهيد فقُتِل بيد شقيقه الذي بكاه بعد قتله واحتار ماذا يفعل في جثته لإخفاء جريمته وهذا ما فصله الذكر الحكيم "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِن الْخَاسِرِينَ، فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ".
فكان درس الغراب لقابيل هو أولى الدروس للبشرية في حفظ كرامة الميت واستعجال دفنه، وهذا ما ركزت عليه أحاديث الرسول الأكرم وأهل بيته المطهرين من استحباب استعجال تغسيل وتكفين الميت وتشييعه والسير خلف جنازته.
ولكن العجب العجاب ما حدث للرسول المعظم (ص) نفسه ولأهل بيته من بعد رحيله للرفيق الأعلى، فمن شيعوا الرسول كانوا بني هاشم فقط في ظل غياب الآخرون وانشغالهم بأمور السقيفة، وأما ابنته فقد دفنت في ظلمة الليل وهناك الكثير من الروايات التي تذكر دفنها بلا تشييع وما زال قبرها مخفياً لا يعلمه إلا الله والراسخون بالعلم، وهذا علي الذي قضى شهيداً في محراب صلاته دفن سراً في النجف الاشرف وأعفي قبره لسنين طوال، وذاك المجتبى الذي تقطع كبده وتحول لون جسده للإخضرار من شدة السم النقيع الذي تعرض له وبعد استشهاده رُميت جنازته بالسهام فدفن في بقيع الغرقد سابحاً بدمائه الطاهره.
ولم يكتفي المسلمون بذلك فأمعن من نصبوهم بضعفهم وجهلهم في غيهم وطغيانهم، فكان ما حدث في واقعة الطفوف حيث استشهد الحسين ومن معه وقُطِّع بالسيوف إرباً بغضاً لأبيه وجده، وواصلوا عنجهيتهم لدرجة سلبه رداءه وقطع خنصره وذبح رضيعه على صدره، فقضى صابراً محتسباً عطشاناً وحيداً على ارض المعركة، تركوه عارياً بلا ظلٍ او رداء يستره، وجاوزوا بحقدهم حتى السباع والهوام في وحشيتها وخالفوا أوامر ربهم ورسوله اليهم، فتركوا جثث القتلى ومنهم جثمان المولى المبضع بعد الدوس عليه بحوافر الخيول، تركوها تفترش الرمال وتلتحف السماء بلا غسلٍ او كفن.
ومرت الاعوام والازمنة وما زال من يحكمون ويرفوعون شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله" يكررون المجازر واحدة تلو اخرى، فهذا ما فعله صدام الرجيم والبعثيين في العراق وكرروها بسوريا، فقتل الرضع وانتهكت الاعراض كذلك في مصر وسوريا وليبيا واليمن وتونس، وتجاوزوا حد الجنون في البحرين فهدم من يدعون انهم حماة الحرمين الشريفين بيوت الله ومساجده وأحرقوا كتابه وداسوه بالاحذية، انهم بواسل درع الجزيرة الذين مارسوا ابشع الجرائم بحق شعب البحرين المسالم الأعزل.
لقد قدم شعبنا التضحيات الجسام من أجل الحرية والعدالة، ٨٥ شهيداً مسجلين رسمياً وما خفي كان اعظم هي حصيلة ضحايانا الأولية، منهم الرجل والمرأة، الكبير والصغير، الرضيع والشاب والكهل، فيحيى قضى رضيعاً كعبد الله الرضيع ومعه ساجدة وقبلهما حوراء وفدك ماتتا أجنة كما قضى المحسن، ومن شهدائنا القاسميون كعلي بداح وعلي الشيخ والسيد هاشم، ومنهم الأكبريون كعلي القصاب وعلي المؤمن، ومنهم العباسيون كعبد الرضا بو حميد وأحمد فرحان، وأخيراً قدمنا احمد اسماعيل الذي بقي بلا غسلٍ او كفن طوال ١٣ يوماً بعد قتله بالرصاص الحي كما بقي الحسين على الثرى.
أحمد اسماعيل، ساعد الله قلب والدتك الحنون الذي صبر على فقدك وعلى بقائك بلا قبرٍ تضمه وتشم تربته فحرمت منك ومن شاهدك، فصبرها صبر زينب التي مضت عن كربلاء والمولى لم يكفن ولم يدفن، وحين علمت بإستشهادك لم تجزع بل حضنت جسدك الطاهر وسط الألم وغسلته بالورد والدموع وهمست في اذنك: (بيضت وجهي بين يدي مولاتي فاطمة الزهراء يوم القيامة يا حبيبي وقرة عيني)، وما زالت ترمق ملابسك وتلثمهم وتحتضن قميصك قبل ان تنام كل ليلة ولسان حالها يقول:
كلما أغمضت عيناً
طيفك الأقدس بالجِفن بدالي
كلما أسرح شيئاً
ملكت صورتك الحسنى خيالي
كلما أنظر من نورك صدر الدار خالي
هكذا تنقلب الأيام في عيني ليالي
يصفق الباب من الحزن يميناً وشمالِ
يترجاكَ بأن تأتي أيا خير الرجالِ*
عزاء اهلك ومحبوك ومن يفتقدوك انك مضيت على خطى الحسين الشهيد، فإمامك بقى على الثرى ثلاثاً، لم يغسلوه، لم يكفنوه، لم يصلوا عليه، لم يدفنوه، وجسده مقطع متناثر عاري بلا غطاء، تصهره الشمس بلهيبها والارض بحرارتها، لقد واسيته يا احمد فجسدك الذي ذابت ملامحه بقي في ثلاجة الموتى لأسبوعين، حرمنا من خلاله من التوديع وزيارة القبر واهداء الختمات القرآنية وزيارتك ووضع الورود والمشموم على ضريحك حيث لسان حال قلوبنا يصرح بأنين لاهب لجمرات القلوب:
غسلوه بفاضل الدموع .. غسلوه
كفنوه بالورد والشموع .. كفنوه
لحدوه بأعمق الضلوع .. وادفنوه
ولتصبوا غيظكم على من .. حاربوه**
تحية من قلب كل عاشق للشهادة لروحك الحائرة بين السماء والأرض، لعنفوان شبابك الذي ما تحمله مرتزقة حمد فأعدموك برصاصهم وتركوك في ثلاجة خزيهم وعارهم، وهنيئاً لك الفرح والسعادة حين تلقى ابا عبد الله مخضباً بدمائك، معزياً لفاطمة وابيها وبعلها وبنيها بروحك وجسدك، فكما قيل للحسين في رثائه يُقال لك يا شهيد:
مــا غَـسَـلُوهُ ولا لَـفـوهُ فـي كَـفَنٍ
يَــومَ الـطـفوفِ ولا مَـدُوا عَـلَيهِ رِدا
ليث البحرين
في رثاء الشهيد أحمد إسماعيل
١٣-٤-٢٠١٢
* من قصيدة "أم أبيها" للشاعر عبد الله القرمزي وأداء الرادود صالح الدرازي.
** من قصيدة "قصة الكاظم درسٌ للبشر" للشاعر الشيخ بشار العالي وأداء الرادود صالح الدرازي.
آمنت بالخواجة
أعتذر لك من أعماق قلبي، أعتذر لتقصيري وضعف إرادتي وقلة حيلتي، تركتك وحيداً بين الذئاب الذين خططوا إما لإغتصابك أو أن تقوم بتسجيل إعتذارك للساقط حمد عن مواقفك التاريخية في ميدان الشهداء، فرفضت ذلك فعذبوك ومن ملابسك جردوك وللإغتصاب هيئوك فما كنت إلا ليثاً شهماً بطلاً تُحطم رأسك وفكك رافضاً للإعتذار ومانعاً للإغتصاب فأثبتَّ لي وللدنيا بأسرها أنك أشرف الشرفاء وأعظم الرموز.
والدي عبد الهادي الخواجة...
حدثني كيف تحملت تحطيم عظام الفك والرقبة، أخبرني عن آلامك وأنت لا تستطيع المضغ ولا الشرب ولا الجلوس من آثار تعذيبك وتكسير عظامك وتهشيم فكك، أوَ ما عالجوك؟ أوَ ما خدروك وهم يقومون بتخييط جراحك كل مرة؟ بلى، لقد علمت إنهم عالجوك بلا تخدير، فكيف تحملت هذا البلاء العظيم؟
والدي عبد الهادي الخواجة...
عن أي شئ أتحدث عنك وعن أي آية من آيات روعتك وانسانيتك الغراء أنشد، لم أنسَ دفاعك الانساني المستميت عن السلفيين في سجن غوانتانامو السئ الصيت ووقفتك المشرفة من أجل حريتهم لإيمانك الصادق بمقولة أمير المومنين علي عليه السلام: الناس صنفان، إما أخٌ لك بالدين أو نظيرٌ لك بالخلق. وما دفاع عبيد الوسمي السلفي الكويتي المشهور عنك إلا صك عرفان بجميلك.
والدي عبد الهادي الخواجة...
تشتاق لك ميادين البحرين بسواحلها المنهوبة وأراضيها المسروقة وحرماتها المنتهكة، كيف لا وأنت فارسها الهمام وعلمها الضرغام وقائد الكرامة قبل ثورة ١٤ فبراير، حيث لم يكن معك إلا بضع نفرٍ قليليون لا يتجاوزون المئة، كنت تقودهم ولا تبالي بالعدد فما تريده هو إرضاء الله وإيصال رسالتك العظيمة لكل البشرية وكان لك ما أردته من تنوير لفكر الكثيرين وزرع بذرة الثورة فكنت عميد المطالبين بالملكية الدستورية وتنحية خليفة وحكومته ويومها إستهزأ بك الكثيرون ووصفوك جهاراً نهاراً بنعت الجنون ولكنهم اليوم بعد انطلاق الثورة يطالبون بما طالبت به أنت وناضلت من أجله بروحك ودمك ليقطفوا ثمار جهودك العظيمة بلا تضحية أو عناء يذكر.
والدي عبد الهادي الخواجة...
فكرك الراقي مضغته أعماق روحي وسكن جوانب نفسي، أرى فيك الأمل والنصر والعزيمة والتحدي بصورةٍ يعجز التاريخ إلا أن يخر ساجداً بين قدميك النحيلتين لينهل من فيض عطائك النزر اليسير الذي قد يبيض به صفاحته السوداء. وما فكرة تقرير المصير إلا من بعض نورك الذي ألتف حولها الشباب ليكون شعارنا العقلائي المحق: الشعب يريد تقرير المصير.
والدي عبد الهادي الخواجة...
يا بحر الجود، يا وجه القمر، يا عطية الله لشعب البحرين وللعالم أجمع، أفهمني نعم أفهمني، قل لي بصوتٍ عالٍ ماذا كان يجول في فؤادك الحنون حين قررت الإضراب عن الطعام، هل يمكنك أن تشرح لي كيف تحملت الجوع، كيف صمدت أمعائك الخالية أكثر من ٥٥ يوماً بلا غذاء يطفي جمراتها ولهيب بلائها، أي ربي كيف لهذا الرجل الضعيف البنية كل هذه الإرادة؟ إلهي لقد حار فكري وطار عقلي محلقاً في أفق الهوى اللا متناهي يرجو أن يعرف سر صمود والدي وقدوتي الخواجة.
والدي عبد الهادي الخواجة...
لقد قهرت المستحيل، لقد قهرت القيود، لقد قهرت رغبات نفسك بصلابة ايمانك، فأنت العباس في بسالته وعابس في عشقه والأكبر في بطولته والقاسم في جرأته والحسين في مثاليته ورحمته، كيف سأحتمل فراقك كيف؟ كيف ستمر الثواني علي من دون حسك ومن دون صوتك ومن دون عبق روحك الطاهره؟.
والدي عبد الهادي الخواجة...
خذلناك، خذلناك إنا مع سبق الإصرار والترصد خذلناك، وللموت سلمانك وبلا ثمنٍ للطاغوت قد بعناك، نريد لك الحياة ولكننا نعمل كي تموت سريعاً، فوجودك تعريةٌ لنا، فأنت الرجولة وسواك العدم، لقد فضحتنا أمام أنفسنا وعريتنا وأسقطت كل أوراق التوت عن عوراتنا فبانت من تحتها قلوبنا المسودة من ثقل الذنوب والبعد عن الطريق القويم، لقد كشفت لنا بالدليل القاطع ما نضمره من حبٍ للذات والجاه والشهرة فرأينا أنفسنا بضع حصياتٍ في سفح جبل هامتك العالية المليئة بالعزة والمنعة والرفعة والكرامة.
والدي عبد الهادي الخواجة...
اذهب إلى عالم الملكوت الأعلى حيث المحبة الأرقى ولا جدال أو فسوق أو حسد، ارحل فهذه الدنيا الفانية المليئة بأشباه الرجال والدجالين باسم الوطنية والدين وحاملي الشعارات الزائفة لا تستحقها فأنت أنقى من أن تبقى فيها، فدنياك سجنٌ مؤلمٌ لا راحة فيها لروحك الطاهره، وإعلم أن من ربيتهم كبناتك اللبؤات زينب ومريم ومعهم الأسود شباب الثورة ماضون على دربك القويم، فنهج الحق هو نهج الصادقين وأنت عنوان الصدق والأمانة والثبات والطهارة.
يا أبا زينب، أبلغ الشهداء سلام المحبين، فهم السابقون ونحن اللاحقون، أبلغهم أننا للثأر متوثبون وللمقابر قريباً عامرون، وقر عيناً بجميل ما صنعت في دنياك وعذوبة ما سترى في آخرتك، طبت حياً وميتاً، طبت ثائراً مخلداً ورمزاً حطم جبروت أمريكا وعملائها بنقاء سريرته، طبت جيفارا العرب بثباتك وغاندي القرن الحادي والعشرين بانسانيتك، فقد آمنا بخطك الواضح في مواجهة الظلمة ومقارعة القتلة، آمنا بك قائداً ملهماً ومَعلماً لا تدنيس فيه ولا عبودية إلا للرب الواحد القهار، فسلامٌ عليك يوم ولدت، ويوم تموت وتنتقل روحك للرفيق الأعلى، ويوم تبعث حياً مع الشهداء والصديقين وحسبك رب العالمين وهو نعم الوكيل، فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة.
ليث البحرين
في رثاء عبد الهادي الخواجة
٥-٤-٢٠١٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق