منصورين والناصر الله


إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، بناءً على هذا المبدأ القرآني وبعد يوم واحد من مجزرة الشاخورة والصور الرهيبة البشعة التي فضحت جريمة هذا النظام بحق شباب هم من خيرة من أنجبهم الوطن، زحف عشرات الآلاف من أبناء الشعب لتشييع الشهيد البطل علي رضي القصاب الذي اعتقل وسجن مراراً ولاقى صنوف التعذيب رغم ريعان شبابه وأطلق سراحه أيام الميدان في نهاية شهر فبراير واستشهد في يوم تحرير شارع البديع لتكون خير خاتمة لحياته الجهادية التي حق لنا أن نتخذها نبراساً في التضحية والصمود والصبر على الجراحات.

وصادف تشييع علينا الجديد أمرين مهمين، الأول أنه شُيع في يوم "عيد الشهداء"، والثاني أن تشييعه تم في ظل فعالية رائدة وهي تحرير شارع البديع متزامنة مع احتفالات القتلة بذكرى تنصيبهم على عرش الجماجم والدماء.

وما حدث قبل وأثناء وبعد التشييع كان حقاً شيئاً أسطورياً أحاول اختصاره بكلمات، نبتديها بثلاث نقاط قبل وأثناء التشييع:

١- كانت البداية مع استشهاد البطل علي القصاب وما حدث للبطلة والقائدة زينب الخواجة من إعتداء سافر في وسط الشارع وفي وضح النهار، وقد سببت المشاهد التي بثت بفضيحة مدوية للنظام من جانب، وجرح غائر في قلوبنا من جانب آخر حيث رآها مئات الشباب ولم يحركوا ساكناً لإنقاذها، فلم تقف معها إلا بطلة مثلها من عالم آخر هي فارسة ميدان الشهداء "معصومة السيد"، أبت أن تتركها لوحدها وفضلت ترك طفلتيها بلا قلب أمهما الحنون حماية لزينب ولتقول لها بفعلها وقولها لن أتركك طعمة للقتلة يا بنت الطيبين.

٢- سبب ما حدث لزينب صدمة للجميع، ولم تكن ايجابية أبداً، وكنوع من التكفير عن الذنب بتركها ومعصومة لوحدهما، مضت الآلاف نحو أبو صيبع لتشييع علي القصاب ولكن النظام الفاسد رفض تسليمه لعائلته لعدم تعكيير صفو احتفالاتهم الماجنة، ولم يتوقعوا أن غضب الشعب لحرائره وكرامته سيوصله لقلب شارع البديع، وحصل ما حصل من مسيرات سلمية ومواجهات بطولية ثورية، وكذلك ارتكبت مجزرة الشاخورة التي عرت النظام في رأس سنته فكانت طامة كبرى لها تداعياتها في الأيام والأسابيع المقبلة.

٣- بعد ما حدث في اليومين الماضيين سلم النظام الفاسد جثمان الشهيد الطاهر لعائلته، وقد كان مستهزأً ومتوقعاً أن يكون الحضور ضعيفاً بعد انتشار تصوير الضرب الوحشي للشباب، وعدم وجود رد فعل حقيقي من جانب الشعب ضد جرائم النظام.

ولكنه كعادت النظام فقد كان غبياً واهماً بمرتبة الامتياز، فعشرات الآلاف ملئت ربوع أبوصيبع والشاخورة وكرانة ملبية نداء الشهداء في يومهم، ولم تنفع اجراءات النظام القمعية في منع الشعب من الوصول، وخرج الموكب المهيب نحو دوار زينب الخواجة - أبو صيبع أو الكانتري مول سابقاً - ليواجهوا بالقمع الشديد لمنعهم من الخروج لشارع الشهداء - البديع سابقاً - ولكن ما فاد المرتزقة قمعهم ولا أسلحتهم فالتشييع وصل للشارع العام رغماً عنهم.

لاحت علامات النصر منذ لحظة دخولنا لشارع البديع، لاحت بصلابة الرجال وعزيمة الأبطال وصمود الحرائر والأطفال، فقد حققنا ما عجزنا عن تحقيقه سابقاً ببركات دماء الشهيد علي القصاب وصمود زينب الخواجة ورفيقتها بالنضال معصومة السيد، ويمكن تلخيص ما حدث بخمس نقاط:

١- انتصارنا الأول: للمرة الأولى نكسر حاجز الخوف ونمر بين المرتزقة المدججين بالأسلحة ونحن ملوحين بعلامات الانتصار نهتف بأعلى أصواتنا "يسقط حمد"، نعم هذه اللحظة لن ننساها للأبد فما عاد الخوف في قلوبنا من كلابك ومرتزقتك يا حمد، مررنا بين المئات منهم بعد ما قمعونا في بداية التشييع ولكنهم جبناء لأبعد الحدود ولم يتمكنوا من وقف الزحف البشري الهائل الذي ما كان ليترك جثمان الشهيد ولو قدم مئات الأرواح فداءً له، فاضطر ضابط المرتزقة أن يصرخ بوجه وحوشه بانكسار أن يتركوا مسيرة التشييع تمر بالشارع العام ولا يحدث ما لا يستطيع هو ولا أسياده تحمل نتائجه.

٢- انتصارنا الثاني: رغم قمعهم لثلاثة أيام متواصلة، لم يتراجع شباب الثورة عن مطلب تحرير شارع البديع، فملكوه بإرادتهم وصبرهم وحكمتهم وجلسوا على الأرصفة فاتحين الشارع للمارين به بكل يسر، وهذا الانتصار كبير جداً فهو الدليل على حضارة وقوة هذا الشعب ومدى روعة أخلاقياته.

٣- انتصارنا الثالث: رغم ضربهم وقمعهم لنا، قمنا بعمل سلسلة بشرية لمنع التصادم بين المشيعين وبين مرتزقة النظام، وكانت ضربة قاسية جداً للنظام وتاريخية لنا، هذا نحن بسلميتنا وقوتنا بحضاريتنا، لا نضرب ولا نعتدي رغم الجراحات والآلام.

٤- انتصارنا الرابع: الدفاع عن حرائرنا أثناء هجوم القتلة على المعتصمين سلمياً بعد التشييع في شارع الشهداء يعتبر نصراً تاريخياً لشعب البحرين، رأيت بعيني بعض الشباب يعمل حاجز بشري ويضرب على ظهره بكل وحشية حماية للنساء، وكذلك أحد المصابين بالشوزن برأسه السبب كان حمايته للحرائر. حقاً لنا أن نفخر بشبابنا الذين تلقوا الضرب والجراحات في سبيل الحفاظ على العرض والشرف.

٥- انتصارنا الخامس: أروع الانتصارات هو هذا الانتصار، فبعد كل الضرب والتعدي واستباحة الحرمات والاعتداء على المصلين في مسجد الكويكبات الذي هدم ثلاث مرات خلال ٧ أشهر، وبعد مجزرة الشاخورة، لم يكن يتوقع النظام أن تكون المقاومة باسلة في كل البحرين بهذه القوة، فالشباب قاوموا المرتزقة بطرق جديدة لا تخطر على بالهم، رأينا المرتزقة تبكي، تهرب، تهرول خارج مناطقنا، وبعضهم صاح في كرانة البارحة "يا أولاد المتعة ما تتعبون، ملينا منكم بسكم ناموا تعبنا".
نعم قالها وولى هارباً وانسحبت القوات مهزومة نفسياً ومعنوياً بسبب بسالة وصمود الثوار الأسطوري في ساحات النزال.

إن هذه الانتصارات المعنوية والميدانة الخمسة المتزامنة هي خارطة طريقنا للنصر الإلهي المؤزر، هي حلقات في سلسلة الصمود والثبات، فمعادلة السلمية والدفاع المقدس طبقت بحذافيرها خلال يوم عيد الشهداء الذي أعاد لنا كرامتنا وهيبتنا وتنسمنا من خلاله عبق ميدان الشهداء بأرقام نخيله ونصب الخيام وتوزيع الشاي والطعام، وكنا نعزم بعضنا بعضاً على العشاء ونتسابق لذلك إن لم نقمع حتى المساء.

طبتم يا شعبي البحراني الأبي، أحب طيبتكم، أهفو لسلميتكم، أعشق مقاومتكم، بكم روح الحسين وصبر زينب، وهل من لديه هذه الرموز ينهزم، لا والله هيهات أن ننهزم وشعارنا هيهات منا الذلة، وكل ما قدمناه وما نقدمه لن يضيع فالتضحيات هي من تصنع الغد المشرق، وليعلم القاسي والداني أننا على طريق الانتصار، شاء من شاء وأبى من أبى، وشعارنا الذي سنحققه رغماً عن الظالمين:
منصورين والناصر الله

ليث البحرين
١٨-١٢-٢٠١١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق