مقالتي اليوم مغايرة لما مضى، فلأول مرة أتردد كثيراً في طرح مقالة جديدة كما ترددت وأنا أكتب هذه الأسطر، لعلمي إن الثوري والسياسي، الإنتحاري والإنبطاحي، المضحي والمتسلق سينتقدوني ويهاجموني لطرحي الجريء جداً بها، ولكنها لهجتي الصادقة التي قد أخسر بها الكثير في سبيل الحقيقة.
فالثورة تمر بأصعب منزلق وبأصعب ظرف منذ انطلاقتها في ١٤ فبراير، فما توصلنا له بعد ما يقارب العشرة أشهر هو الاحترام الدولي والاعتراف بوجود ازمة سياسية بالبحرين تستوجب حلها لمنع انتقال الثورة لباقي اقطار الخليج، قلب الطاقة الرخيصة للغرب، ورغم كل الجراحات وعروج ٤٨ شهيداً ومئات الجرحى وآلاف الأسرى، تحولت الثورة لأزمة سياسية تطلب اصلاح النظام عوض اسقاطه، وأصبح المجرم الأكبر المشير بدلاً من الملك القاتل حمد، واختفت مسألة المحاكمة الدولية وخبا ضجيجها وتبخرت الكثير من الوعود.
المحصلة الحقيقة هي قلة عدد الثوار الذين يقمعون بعنف مفرط رغم سلميتهم، وإن قاموا باغلاق الطرق أو استخدام وسائل الدفاع عن النفس يتم التهجم عليهم وتسقيطهم، وأقل التهجم عليهم رميهم بالجهل ومقولة "قاتل الله الجهل" أصبحت متداولة لوصفهم، رغم إنهم يحملون أرواحهم على أكفهم في سبيل الدين والوطن.
في خضم هذه المعاناة، لابد من وقفة تأمل وصدق مع الذات لمواصلة الكفاح، مواصلته بصدق وواقعية بعيداً عن الشعارات الرنانة والأحلام والأوهام، ونبدأ هذه الوقفة بقراءة الحلول المطروحة سياسياً على الساحة للخروج من ازمة النظام المجرم بالبحرين المحتلة.
الحل الأمريكي - سلمان بن حمد:
يعتمد هذا الحل على ضرب قوى الممانعة بزعامة الرموز المغيبين في غياهب السجون وقيادة إئتلاف ١٤ فبراير بحيث يتم تحجيمها وتقليل عديدها الفاعلين على الارض، فهم يعلمون ان اغلب الشعب لا يريد بقاء العائلة الحاكمة، ولكن هذه الغالبية تم ترويض معظمها عن طريق فتح الطريق للجمعيات السياسية والسماح لها بمهرجاناتها الاسبوعية كمتنفس ومروض للجماهير وتنزيل السقف من اسقاط النظام لاصلاحه.
ويعتمد الحل الأمريكي على جعل الجمعيات وخصوصاً الوفاق الشريك الوحيد بالمفاوضات واعطاء شبه ملكية دستورية بعد الدخول في حوار يقوده سلمان بن حمد، وسيتم الاستفتاء على التعديلات الدستورية بعد ذلك في ظل تعب الناس من المواجهات والقمع من جهة، ووضع المغريات من برلمان كامل الصلاحية ذو دوائر انتخابية عادلة وارجاع المفصولين وتعويض عوائل الشهداء والجرحى وكل المتضررين، مع رفض مبدأ الحكومة المنتخبة حالياً وأخذ وعد كتابي من سلمان بذلك وتنحية خليفة من منصبه.
تكمن خطورة الحل الأمريكي في انه مبني على الوعود وعلى تصويت الشعب بمجنسيه الذين تضاعفوا ٣ مرات خلال الشهور الماضية، مما سيخلق برلمان له شقين متساويين هما شيعي معارض وسني موالي لن يقدم ولن يؤخر، وهذا ما يطرحه الخبيث سلمان على الطاولة حالياً.
الحل السعودي الخليفي - خليفة بن سلمان والمشير:
وهو يشبه الحل الأول مع اضافة مهمة وهي عدم التنازل للشعب في الفترة القادمة والمراهنة على عامل الوقت، واعطاء تعديلات دستورية محدودة، وتكمن خطورته في استهداف كوادر الثورة واعتقالهم وافراغ الثورة من محتواها والعمل الأمني المستمر على انهاء مظاهر الاحتجاج بكل وحشية ممكنة.
هذا الحل لا تباركه أمريكا ولكنها تغض الطرف عن المضي قدماً به حالياً، فإن لم ينجح وهو المتوقع فهي مباركة لمشروع سلمان بن حمد وللتغيرات التي سيطرحها والتي تعتبر كبيرة ظاهراً ولكنها بالمضمون لا تساوي شيئاً إلا زيادة الانقسام الطائفي بالبحرين ليكون لبنان الخليج.
الحل الدولي - قطر وتركيا:
وهو الاكثر تطوراً ويتلخص بجعل البحرين ملكية دستورية على شاكلة الاردن، بديموقراطية مزيفة لا تلبي الطموح في ظل التجنيس المستمر، بحيث يختار الملك رئيس وزرائه من عامة الشعب ويفضل ان يكون شيعياً وهو يدير الحوار مع سلمان بن حمد ويصل بالبحرين لتكون مملكة اردنية البنية والمضمون.
خيارات الشعب:
وللشعب فيهما خيارين سياسي وشبابي ثوري:
الحل السياسي: وهو ما تتبناه الجمعيات السياسية بزعامة الوفاق ومباركة علمائية شيعية واضحة، وتكمن قوته في جماهيرية الجمعيات السياسية وضغطها الاعلامي للتغيير.
مشكلة هذا الحل تكمن في عدم واقعيته، فلو استمرت مهرجانات الجمعيات لعشر سنوات قادمة لن تقدم للشعب إلا شبه ملكية دستورية كحد أقصى، فطبيعة أي مطالب سياسية أن تصل للحوار، ومن يتحاور لابد أن يتنازل للوصول للحلول الوسطية، والسياسة فن الممكن بأقل خسائر ممكنة، وهنا يكمن دهاء سلمان بن حمد الذي لم يقطع صلته بالجمعيات السياسية والذي حصل على دعم الغرب المطلق لتنفيذ خطته بالوصول لشبه ملكية دستورية قائمة على برلمان منتخب منقسم طائفياً.
الحل الشبابي الثوري: وهو ما يتبناه غالبية الرموز بالسجون، وذراعه الأساسي الائتلاف ويتبنى اسقاط النظام ومحاكمة أركانه القتلة.
مأزق هذا الحل هو كثرة مؤيديه قولاً وقلتهم فعلاً وعملاً، فقلوب الغالبية مع اسقاط النظام ولكنهم يريدون الانتصار وهم سالمين غانمين، رغم تيقنهم ان اسقاط نظام متمكن ويملك كل مفاتيح القوة المادية والعسكرية على الارض ومدعوم اقليمياً ودولياً يتطلب سيل من التضحيات والشهداء.
إذاً، ما هو المصير؟ وهل ستنتصر ثورتنا؟
المصير يقرره الشعب بيده وبعون ربه، نعم سننتصر وسينتصر الحق على الباطل ولكن لابد من الخوض بكل ما تم طرحه مسبقاً للوصول لما هو مطلوب من الشعب للوصول لمرامه وحقوقه.
فللشعب خيارين لا ثالث لهما، إما العودة لما كان عليه يوم ١٤ فبراير بزخم جماهيري كبير جداً بالميادين، ولكن هذا الخيار لن ينجح على ارض الواقع، فغالبية الشعب تم ترويضه في مهرجانات اسبوعية يذهب ليصفق ويهتف ويعتقد انه منتصرٌ بها وهي حقيقة في ميزان القوى صفرٌ على الشمال لا تضر ولا تنفع وليس لها صدى اعلامي بالخارج إلا تلمييع صورة النظام بأنه يسمح بالتعبير السلمي لمعارضيه السياسيين وكذلك أن هناك مشكلة سياسية يجب حلها بحوار جاد ذو حلول وسطية.
ولكن الخيار الثاني هو التصعيد الثوري الى اقصى مداه والذهاب للميدان بالأكفان، لتكون عملية استشهادية جماعية، ولكنها ستكون انتحار سياسي وميداني لقوى الممانعة في حالة قلة العدد وندرته وهو المتوقع، فأمثال عبد الرضا بوحميد ومحمد الحايكي، وعبد القادر درويش ومحمد العكري نادرون، لذلك التضحية بهم في عملية انتحارية هي خسارة عظيمة لا داعي لها ولن تكون لها أصداء في حالة الفشل.
لذلك ليس أمام الثوار إلا الاستمرار رغم قلة عددهم في حرب الاستنزاف، بحرق الاطارات واغلاق الشوارع والأحياء والتظاهر بها واستخدام وسائل الردع على بساطتها وضعف مردودها. ويكمن الهدف من هذه الحرب في تطويل أمد الثورة وجعل النظام يخطأ أخطاء قاتلة تعود بالوبال عليه مستقبلاً، فالحفاظ على الثورة هو الهدف للخروج من مأزق هذه المرحلة.
وختاماً نصيحتي الخالصة للأحرار هي:
واصلوا كفاحكم بالشارع ولكن بحكمة وفطنة، لا للمواجهات بعد اليوم، أخرجوا بأقل خسائر ممكنة، فلن يرحمكم بلطجية النظام من جانب، ولن يدافع عنكم أحد من جانب آخر، فأنتم مجرد رقم مضاف للمعتقلين، سيتم تعذيبكم وتعليقكم والتحرش جنسياً بكم ولن تروا الدعم من أحد بالساحة، فلو كان من أحد يستحق الدعم فهن الحرائر وتاجهن فضيلة التي أهملت لشهور طوال بلا تحرك جدي لاطلاق سراحها ولو بالاضراب عن الطعام ليوم واحد فقط.
لا تستمعوا لمن يجركم للموت جراً بحجة الكرامة والثورة الحسينية وهو جالسٌ في بيته متلحفاً ردائه، فالحسين حين استشهد كان الشارع ميتاً تماماً بحركته ولكنه يغلي بالجراحات فأحياه بدمائه ولم يكن من متحرك بثورته غيره، الحسين حين استشهد لم يكن أشجع من أخيه الحسن ولكن ظروف الحسن كانت تلزمه بالصلح حماية لأنصار الحسين يوم العاشر، الحسين حين استشهد كانت منزلته ومكانته الدينية ونسبه للرسول الاعظم الدرع الذي حمى به حصن الدين، فلو غير الحسين قدم ما قدمه لما لاقى الصدى الذي لاقاه، ولنا بالحسين بن علي الخير حفيد الامام الحسن خير دليل فلقد لاقى افظع مما لاقى الامام الحسين، ورغم ذلك ذهبت موتته الفظيعة وأهل بيته في واقعة فخ ادراج الرياح، ولم تنبت الثمار المرجوة لها.
http://www.al-shia.org/html/ara/others/index.php?mod=monasebat&id=518
فالجهاد في سبيل الله شرف والشهاده في سبيله كرامة ولكنها بعقلانية الحسن وشجاعة الحسين، وما نرنو له في ظل أحلك ظرف تمر به ثورتنا هو الاستمرارية قدر الامكان، والثبات بالميدان قدر المستطاع وحصر أعداد المعتقلين والمصابين حتى يدخل معطى جديد محلي أو إقليمي يغير المعادلة ويسمح بالتصعيد الشعبي كما بدأت الثورة بزخم كبير يعيدنا لميدان رئيسي بالبلد لننطلق مجدداً في ثورة معطاء.
الصبر يا شباب الثورة، الصبر على الجراح والاستمرار لفترة طويلة بالميدان بنفسٍ متسق هو الحل، دافعوا عن أنفسكم بكل ما تملكون، ولا تأخذكم بالله لومة لائم، والنصر حليفكم فأنتم قرة عين آباء وأمهات وعوائل الشهداء والجرحى والمعتقلين، فعاشر البحرين قريب جداً ويومها يزلزل الجميع ويختبر الناس ويعرف الصادق وعده والمتسلق على الجراح وسيحتاجكم الوطن فلا تضيعوا الجهود والكوادر النقية، بصمودكم ننتصر، بثباتكم نفتخر، والله معكم خير ناصر ومعين، وسيخزي الظالمين، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.
ليث البحرين
١٠-١٢-٢٠١١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق