يوم الحشر


هو يومٌ بدأ على غير العادة، يومٌ سيظل في ذاكرة الأجيال، هو اليوم الذي ودع فيه الشعب ٤ من خيرة رجاله، ليكتب مع الله وعد الصدق المخضب بعبق الدماء الزاكية والأرواح الأبية الصامدة، يومٌ تعلمنا فيه كيف بالدم على الرصاص ننتصر، يومٌ لخص كل جراحاتنا وعذاباتنا منذ ما يقارب ٢٣٠ عاماً هو عمر الاحتلال الخليفي لأرض البحرين السليبة.

بدأ اليوم بخبر استشهاد الحاج سعيد السكري من سكنة منطقة اسكان عالي، وهو نعيمي الأصل بحراني الجذور، وقد استشهد متأثراً بغازاتهم السامة القاتلة التي عبأت الأجواء في منزل وحي الشهيد في ظل هجوم المرتزقة والبلطجية على القرية.

لقد لخص الحاج سعيد كل عذابات المروعين في بيوتهم، عشرات الشهداء قضوا بسبب هذه الغازات، وهناك آثار صحية وبيئية لن تذهب إلا بعد عشرات السنين، فما تقوم به هذه العائلة هو انتقام أبدي من ثوار البحرين ليتوارثوا العلل الصحية والبيئية جيلاً بعد جيل، هكذا كان سعيد ممثلاً لكل شهيد ومصاب ومختنق ومريض حالي أو مستقبلي بسبب استخدام  غازات الإبادة الجماعية، فهنيئاً للحاج السكري مسك ختامه.

وتزامن مع إعلان الشهيد سعيد السكري إعلان شهادة أحد رموز الثورة الشبابية، ومثال حقيقي صادق على التفاني في سبيل الله والدين والوطن والعرض، إنه البطل القائد عباس الشيخ، هذا البطل الذي ما فتئ يجاهد بالساحات قرية فمدينة بكل رجولة، وله حضوره في ميدان الشهداء واعتصامات تقرير المصير، وساهم في الكثير الكثير من فعاليات الثورة بمختلف المناطق لا سيما مسقط رأسه الديه الأبية، رمز الصمود.

عباس الشيخ لم يكن شخصاً عادياً، فمن في عمره يكون تفكيره منصباً على حياته ومستقبله، يبحث عن وظيفة مرموقة وزوجة صالحة وهمومه الدنيوية الذاتية تجعله بعيداً عن آلام الآخرين، ولكنه عباس، وهل عباس الشيخ إلا شبل من عباس الحسين، لقد طلق الدنيا ثلاثاً ورفض الزواج مسلماً روحه لله بكل طمأنينة، أخته حاولت وأهله جاهدوا معه ليتزوج ولكنه رفض وقد عُرِف السبب، فمن رضي الله عنه تكون عروسه حور عين جنانه، وكان عباس يقولها للجميع بلا خوف أو تردد "أنا الشهيد التالي".

يا الله يا الله، أي شهيد أنت يا عباس، أي نهاية نهايتك يا عزيز قلوب ثوار البحرين، لم يكتب لك الله الموت السريع، عانيت الجراحات غصة غصة، عولجت مرات كثيرة بلا تخدير وبقلة الدواء وشح الكادر الطبي، قاسيت جراحات واختناقات لا حصر لها، حتى تغلغل المرض الخبيث لجسدك النحيل، والعجيب يا عباس طوال فترة علاجك كانت الابتسامة تعلو محياك الجميل، "صمووود" تهمسها في أذن محبيك لتقول لهم لا تتراجعوا عن مطالبكم فالحق منصورٌ ولو تعفر تحت حوافر الخيول، وقد شاء الله أن تمرض وتعاني عذابات المرض مع آلام الجراحات لتخرج من هذه الدنيا الفانية نقياً عذباً صافياً لا تشوبك شائبة، فطوبى للرحم الطاهر الذي أنجبك.

عباس الشيخ، أمير الشهداء، هو الشاهد على ما يحدث للجرحى والمصابين من عذابات لا يمكن وصفها مطلقاً، هي آلام العلاج بدون تخدير، وعلاج الإصابات بأدوية لا تناسب كارثيتها، هي آلام المصابين في عيونهم ورؤوسهم، الفاقدين لبصرهم أو إحدى حواسهم، المحترقة جلودهم أو المكسرة أضلاعهم. كل ذلك وأكثر لخصه عباس الشيخ في إصاباته وشهادته، فهنيئاً للجنة به وبروحه الطاهره.

وبعد جرح الشهيدين أصاب قلبنا سهمهم المسموم ذي ثلاث شعب فأدمانا، منتظر فخر اليتيم الذي فقد والديه، الشاب الذي اصطدم المرتزقة بسيارته في سوق جدحفص وما اكتفوا بذلك، أنزلوه منها وهو مصاب، سحلوه بالشارع وداروا حوله، هذا يركله وذاك يبصق عليه وآخر يشتمه والرابع بالبندقية يضربه على رأسه، وما كفاهم بل زادوا وادخلوه بوحشية لمركباتهم، قيدوه وهو بالكاد يتنفس.

ولكي يكملوا فصول مقتله، ما ذهبوا به للمشفى ليتداركوا وضعه الحرج، عالجوه وياليتهم ما فعلوا، عالجوه نعم عالجوه، بالسياط والكهرباء، أذاقوه علقم حقدهم وسموم تربيتهم في دهاليز السجون، ليكون منتظر فخر شهيد السجون الذي يقولها علناً للعالم، نظام آل خليفة لا يمكن اصلاحه ولو نزل ملك من السماء لن يصلحهم.

كتب منتظر المظلوم بما جرى له من تعذيب وحشي رواية جرائم النظام في غياهب السجون، فكم من عرض قد انتهك، وكم إمرأة قد اغتصبت، وكم رجل قد انتهك شرفه وهدد بعرضه، كيف عذبوا الرموز وحفروا أجسادهم بالمثقاب الكهربائي، كيف أحرقوا ابنائنا بالماء المغلي ومكواة الملابس، كم ظفر قد اقتلعوه وضرس قد كسروه. نم قرير العين يا منتظر فقد فضحت النظام بأشلائك المتورمة، ولنا ولك موعد مع المنتظر ليثأر لجراحاتك الدامية.

وما كادت تغفو العيون الباكية من أجل البدور الثلاثة حتى لحقهم نجم مجرتهم، شهيد الدفاع عن الأعراض، البطل محمد ابراهيم يعقوب الذي رغم صغر سنه كان نجمهم، خلده الله بالفيديو الذي قطعنا وآلمنا وهيج أحزاننا وذكرنا بكل عذابات الشعب المظلوم، نزل من سيارته ليشتت شمل المرتزقة الذين كانوا يتقصدون الحرائر لدهسهم، ركض بين أجيابهم ليلاحقوه كما يلاحق الثور الهائج فريسته، لم يحتملوا طهارة روحه فسحقوه بحوافر حقدٍ لم يعرف للانسانية والاسلام من طريق، دهسوه، هشموه، قام من حرارة الألم وشدة الضربة وحلاوة الروح وسقط أخرى، نجح في هدفه فما مسوا عرض بنات بلده وهذا هون عليه مصابه.

وبعد الدهس تجمعوا كالذباب على العسل المصفى، بقوا يضربونه بوحشية مفرطة حتى كادت روحه تزهق، أوصلوه لمستشفى السلمانية، كان شاحب اللون منهك ويتألم كثيراً، وبسبب ما فعله النظام من فصل كفاءات الطاقم الطبي الوطني على أساس طائفي فقد استشهد محمد متأثراً بجراحاته. وقد لخصت إحدى الطبيبات الشريفات المناضلات ما جرى للشهيد من قتل متعمد بسبب الاهمال https://twitter.com/bahraindoctor/status/162522533667676160

لله درك يا محمد، لله درك من شهيد قدم دمائه دون عرضه ودينه ووطنه، فدمائك اختصرت مآسي الدهس واستهداف المواطنين بمركبات "أجياب" قوات الشغب الذين جنسهم النظام من مختلف الآفاق لذبح الشعب وكسر إرادته، فأضلاعك يا محمد عزفت اوركسترا الجراحات الوطنية الكبيرة بفصل آلاف الكفاءات الشيعية على أساس طائفي لتجويع الأحرار وتركيعهم. هنيئاً لك يا محمد فقد جمعت الفخر والكرامة والمجد الأبدي بكل مجامعهم وستبقى اسماً خالداً في تاريخ البحرين.

ما نستلهمه من الشهداء الأربعة الذين عرجوا لربهم في خلال ١٦ ساعة فقط، إنهم ما قدموا حياتهم من أجل اصلاح ما لا يمكن اصلاحه، فقد ماتوا خنقاً وتعذيباً ودهساً وسماً بالغازات والرصاص، فكيف يصلح نظام لا يعترف بمواطنة اكثر من نصف شعبه ويجنس شذاذ الآفاق ليقوم بتغيير التركيبة الديموغرافية لشعب البحرين.

شهداء اليوم الأسود، يوم ٢٥-١-٢٠١٢ ينادونكم، يستصرخون ضمائركم ألا تبيعوا دماءهم  بحوار القتلة، لا تلطخوا أياديكم الطاهره بمصافحة المجرمين، فالثورة موقف والمصافحة خيانة.

اجعلوا كل يوم من أيامكم بعد هذا اليوم كيوم القيامة في عقاب المرتزقة وأسيادهم، تصبون به غضب الله وغيرة المؤمنين حمماً بركانية تحرق الظالمين ومرتزقتهم أجمعين، هذا يومكم فلا تتنازلوا مهما كلف الأمر، بوركت أرواحكم، سلمت قلوبكم، عاشت قبضاتكم، بكم ننتصر، فهذا يومكم
"يوم الحشر".

هذا يوم الحشر فقم لملم عظمك واجمع لحمك وأعد سلاحاً لتقاتل

هذا يوم الحشر تعال اصنع بيديك الأهوال
غادر قبرك واحمل قهرك وأعد سلاحاً لتقاتل .. لتقاتل

http://t.co/nRNNuxe

ليث البحرين
٢٦-١-٢٠١١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق