الجرح الأعظم


إن جراحات شعبنا الأبي قبل ثورة ١٤ فبراير لا حدود لها، فقد سكنت في كل حناياه، وتراها حفرة آثارها وآلامها بجميع مفاصل الحياة.

وبسبب الثورة وطفرة الوعي الشعبي وتطور وسائل الاتصال برزت هذه الجراحات بل وتعمقت بعد دخول درع الجزيرة لتتسطر كلمات وجمل وقصص طويلة من العذابات للشعب البحراني المنكوب.

ومن أكبر هذه الجراحات هي محاربة طائفة بأكملها تشكل غالبية الشعب في عقيدتها وقوتها بل وفي أساس وجودها، فترى النظام يهدم مساجدها ويمنع شعائرها ويفصل خيرة أبنائها من أعمالهم ودراستهم.

وجرح غائر آخر هو جرح الأسيرات وما تعرضن له من تعرية جسديه كاملة وتحرش جنسي بل واغتصاب في بعض الحالات التي وثقت لدى الحقوقيين واللجان الدولية كل ما جرى عليها في سجون النظام الجائر.

أما ما تعرض له علماء الدين ورموز الثورة والوطن بالسجن فهو جرحٌ لا يمكن غفرانه، فمن الرموز من حفروا رجله بآلات الثقب، ومنهم من اغتصبوه، ومنهم من علقوه لأيامٍ طوال عارياً تماماً، ومنهم من عروه وتحرشوا به، على الرغم من أن بعض الرموز لهم مكانة دينية وعلمية ووطنية وحوزوية كبيرة جداً كآية الله عبد الجليل المقداد.

ولكن الجرح الأعظم هو جرح الطواقم الطبية وما تعرض له الأطباء والممرضين من تنكيل لا يعرف له التاريخ الحديث مثيلاً إلا بالكيان الغاصب كمقارنة من بعض الجهات.

لقد تعذب الأطباء والممرضون جسدياً ونفسياً وتمت أهانتهم بكل ما لدى المعذبين من قوة من خلال توقيفهم لأيامٍ طوال "كالدكتور باسم ضيف الذي بقي واقفاً لأسبوعين متواصلين" أو السجن الانفرادي لفترة طويلة وفي ظروف صحية صعبة جداً "كالدكتور علي العكري" أو تعذيبهم بالضرب المبرح على الرأس "كالدكتور السماهيجي" او بالتعليق والكوي بالكهرباء. وهناك من الأساليب التي لم يتم التعرف عليها حتى الآن الكثير.

كل ما سبق هو غيض من فيض ونقطة في بحر حالك السواد من عذابات الطواقم الطبية. فلا ننسى ما تعرضوا له عند اعتقالهم وما تعرضوا له كذلك في اماكن عملهم من اهانات ما أنزل الله بها من سلطان.

ورغم إنهم قدموا ما قدموه كواجب انساني وشهد لهم القاصي والداني إنهم لم يفرقوا في علاج ضحاياهم بين شيعي أو سني، بين شرطي أو مدني، بين جانٍ وضحية.

ولكن حل عليهم غضب حمد ونظامه المنحط بسبب مواقفهم النبيلة وفضحهم لجرائم مرتزقة النظام خصوصاً يوم الخميس الدامي وما فعلوه بصبرٍ وصمود في وجه وزير الصحة السابق سئ الذكر وفي وجه النظام ككل دفاعاً عن كرامة الانسان وحياته.

أطبائنا وممرضينا، طواقمنا الطبية الباسلة، كلمة أوجهها لكم من قلبٍ يعشق التراب الذي تمشون عليه، لولاكم لما عرفت الحق ولا انضممت للثورة، فأنا كنت خائفاً وجلاً حتى تشربت موقفكم التاريخي وحضرت لمستشفى السلمانية عصر الخميس الدامي لأتبرع بالدم ورأيت انسانيتكم رأي العين.

أنتم قطب الرحى بهذه الثورة، وعمود خيمتها وركن انسانيتها، بكم صمدنا ومنكم ثبتنا، برولا الصفار وغسان ضيف وأقرانهم كسرنا حواجز الخوف وقهرنا الرعب.

فلا كلمات بالوجود يمكنها وصف ما قدمتومه للانسانية من دروس وعطاء بلا حدود، انتم بعين الله وقلب الشعب وانتم ضميره الحي، فتيقنوا أنا لن نترككم ولن نتخلى عنكم.

نعاهدكم بالمضي قدماً بسلميتنا التي أنتم رمز عنفوانها، ببسلاتنا التي أنتم جوهر كينونيتها، بصبرنا الذي كنتم وما زلتم المثل الأعلى به، نعاهدكم ان نواصل الكفاح حتى يقرر الشعب مصيره بيده، وسنزحف في ميادين المقاومة حاملين أرواحنا على أكفنا فداءً للوطن ووفاءً لكم يا أشرف الناس.

فسلامٌ عليكم من رب رحيم، يراكم بعينه الكريمة ويشملكم بعطفه اللا متناهي فيفرجها عنكم بعزته وجلاله وحينها سنزحف لكم زحفاً عرفاناً بجميلكم الذي لا يمكن لأحد انكاره أو رد بعضٍ منه.

دمتم للبحرين وأهلها تاج الشرف ورمز الكرامة، وأودعناكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

ليث البحرين
٤-٩-٢٠١١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق