والدي .. لا تمر من عمري لحظة إلا وجرحك الدامي يلهب حشاشات فؤادي، لا تمر ليلة إلا وعيني تدمع حتى يغشاها الألم وأنا انتطر قدومك لتغطيني بفراشي بعد نومي. هل حقاً رحلت عني وتركتني وحيدةً في مهب رياح فرحي وكربتي؟!
والدي .. من سيوقظني صباح كل يوم بابتسامته بعدك يا أبتي؟ من سيتناول طعامه معي ويوصلني لمدرستي؟ من سيذاكر معي ويسهر على دراستي ومستقبلي؟ من سيرشدني للطريق الصائب بعد عينيك يا قرة عيني؟
والدي .. بأي عينٍ مكسورةٍ سأذهب لليوم المفتوح في مدرستي؟ تسألني معلمتي فماذا عساي أجيبها وولي أمري موسدٌ تحت أطباق الثرى. أبتاه، أي قلبٍ قاسٍ هو قلبك، ألم تذكر محبوبتك الصغيرة وأنت راحلٌ عن هذه الدنيا؟ كيف نسيت لطفك معي؟ كيف أهملتني؟ أتذكر كيف كنا نلعب معاً؟ أتذكر حين سافرنا معاً؟!
والدي .. قبيل رحيلك أسررتها لي "أريدكِ أن ترفعي رأسي بيوم تخرجكِ بمعدلٍ ممتازٍ من جامعتكِ"، فلِمَ لم تنتظر وتأجل رحيلك لبعد يوم تخرجي؟ أسئمت مني أم قد خيبت أملك بي؟ فاعذرني إن لم أكن يوماً في مستوى طموحك يا أغلى من رباني وعلمني.
والدي .. كل شابة تحلم بيوم زواجها لترى نظرة السرور والفرح بعين والديها، لتتنعم بحياتها برضاهما وحضورهما وتواجدهما معها، فكيف بي يوم زواجي، أأضع صورتك على مسرحي لتشاركني فرحة عمري؟ أم أزور قبرك وأوسد خدي على شاهدك لعلي أحظى بقليلٍ من دفء صدرك الحنون الذي هجرني؟.
والدي .. ذهبت للنعيم وتكرتنا بالجحيم، هذي أمي لا يفارق دمعها محياها الحزين، هذا أخي الذي ما فارق الضحك ثغره بات يبكيك بصمته الدفين، هذا قرآنك إشتاق لصوتك الشجي المفعم بالايمان واليقين، هذه سجادتك تهفو لبريق عينيك الحالمتين، هذه مسبحتك ترنو لمعزوفة تمجيد الرب الكريم من شفتيك الباسمتين. ولكن هيهات .. لا تعلم السجادة والمسبحة ومعهما الكتاب العظيم، أنك راحل ولن تعود لهم أجمعين.
والدي .. رغم حرارة الفقد ووجع البعد الأبدي ولكن ما يفرحني أنك بخلود النعيم عند ربٍ رحيم، وما يصبرني هي مصيبة سبط سيد المرسلين، فلقد شيعك الشعب وحضر فاتحتك وكسارها وقاتل من أجل دمك فمن شيع الحسين، وجسمك الطاهر أكرمناه بتغسيله وتكفينه ودفنه فمن دفن الحسين، لهف قلبي الموجوع كيف صبرت رقية على بعد أبيها، وكيف أفجعوها بإلقائهم رأسه في حجرها وماتت وهي تقبل فمه الذي كسرت أسنانه وشقت شفتاه وضرب بالعمود عليه.
فسلامٌ عليك يا والدي، سلامٌ على روحك وبدنك ودمك، سلامٌ على ما قدمته للوطن والدين، وسلامٌ على أقرانك من الشهداء والصالحين،
ولقائنا يوم الحشر ليقتص الله من قاتليك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد( ص) والموعد القيامة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ابنتك المحبة لك دائماً
"ابنة الشهيد"
ليث البحرين
١٢-١-٢٠١٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق