ما زال النظام وأقطابه يراهنون على اسقاط الثورة من الداخل، وهناك أفكار كثيرة تراود سلمان بن حمد حيث يخطط للثورة المضادة التي سيقودها لقتل وإنهاء الثورة، ولكن قبل الخوض فيها دعونا نحدد القوى الفاعلة على الساحة البحرانية:
١- النظام: وهو المتمثل بالعائلة الحاكمة وتفرعاتها من الملك وولي عهده والحكومة بكل أجهزتها العسكرية والأمنية والمالية. والمتحكم بالنظام طرفان أحدهما الحرس القديم المتمثل بخليفة بن سلمان والآخر العقلية السياسية ذات النمطية الأمريكية ويقودها سلمان بن حمد.
٢- الموالاة "تجمع الوحدة الوطنية وما شابهه": تتميز هذه المعارضة بحكوميتها فهي تأتمر بأحد أجنحة النظام وتنتهي بنواهيه، وقد الكان الفاعل بها هو خليفة ولكن تغيرت الأمور تدريجياً ليتحكم بها سلمان بن حمد من وراء الستار.
٣- التكفيريين: ويقودهم محمد خالد ومن سار في ركابه ولهم ولاء مطلق لخليفة بن سلمان وحلمهم القضاء على الشيعة بالبحرين سياسياً ومذهبياً. هؤلاء من تسيدوا الساحة فترة السلامة الوطنية ولكنهم بسبب تطرفهم وفشل الحل الأمني مع المعارضة تخلت عنهم جماهيرهم ولم يتبقَ منهم إلا المئات فقط.
٤- الجمعيات السياسية المعارضة: وتقودها الوفاق ذات أكبر شعبية جماهيرية بالبحرين وهم من أطلقوا وثيقة المنامة التي تخلت عنها جمعية المنبر الديموقراطي كما تخلت عن التجمعات وأصبحت أقرب للمعارضة الحكومية. تتميز الجمعيات بجماهيريتها ومطالبها بملكية دستورية تبقى فيها العائلة المالكة ويكون الشعب مصدر السلطات.
٥- شباب ثورة ١٤ فبراير: وقيادتهم هي إئتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير، ويتميزون بفعاليات سرية وعلنية تطالب بإسقاط النظام ولهم قاعدة كبيرة بفئة الشباب من الجنسين وهم القوة الفاعلة على الأرض.
بعد شرح مبسط للقوى الخمس المؤثرة بالشارع، نبدأ بطرح أفكار سلمان بن حمد المتعقلة بالقضاء على ثورة ١٤ فبراير خصوصاً في ظل فشل الحل الأمني الذي قاده خليفة بن سلمان، وفي ما يلي سرد هذه الرؤى:
١- استجلاب طاقات أمنية وسياسية أجنبية سراً وعلناً للقضاء على الثورة، وقد درس هؤلاء ثورة ١٤ فبراير وما قبلها وما بعدها وقد أعطوا الكثير من التوصيات وأهمها:
أ) ضرب الإئتلاف من خلال اعتقال ومطاردة الشباب الفاعلين على الأرض في القرى والبلدات المختلفة وخصوصاً بقرى الصمود والمقاومة ويتم كل هذا بتكثيف العمل الاستخباراتي واستخدام طرق تعذيب مبتكرة لا تبقي آثار على أجسام المعتقلين ذات طابع نفسي رهيب ومداهمة منازل المشتبه فيهم بإستمرار. وهذا ما حدث في الدير ونويدرات وعالي وسيتكرر بوتيرة متصاعدة حتى الامساك بغالبية الشباب القياديين على الأرض وفي الإعلام بحيث يتم تفريغ الشارع من الكوادر الميدانية والإعلامية المؤثرة.
ب) فتح ميدان الشهداء بمسماه الجديد "تقاطع الفاروق" أثناء وبعد توجيه الضربات لكوادر المقاومة بحيث تكون الضربة مزدوجة؛ عملياً بالاعتقالات ونفسياً بفتح ميدان الشهداء.
ج) السماح بالاعتصامات الاسبوعية للجمعيات ضمن الحدود المتعارف عليها، أي بعيداً عن العاصمة وبعيداً عن المناطق الحساسة كخليج توبلي، والغرض من السماح لهم ليس محبةً بالجمعيات ولكن لهدفين أولهما اسكات الاعلام العالمي والمنظمات الدولية بحجة السماح بحرية التعبير وثانياً لترك بصيص نور في نهاية النفق المظلم للشعب وهو نور الأمل بحل سياسي يوقف نزيف الدم مما يدعو غالبية المعارضين للتمسك بآراء واطروحات الجمعيات للخروج من المحنة، ويكون المخرج متمثلاً بصلح الجمعيات وسلمان بن حمد كما سنبين لاحقاً.
د) تحجيم عمل الحقوقيين وعلى رأسهم نبيل رجب وزينب الخواجة وسيد يوسف المحافظة ومحمد المسقطي من خلال اعتقالهم او ضربهم او التشنيع عليهم او تركهم يعملون بدون قاعدتهم الشعبية المتزايدة. والنظام حالياً يسعى لتسقيط نبيل وزينب تحديداً من خلال حياكة مؤامرات معينة قد تصل للتخلص منهما بطرق مبهمة من أجل تكميم أفواه المؤيدين.
ه) الاستمرار بسياسة التجنيس الممنهج حيث إن أعداد المجنسين خلال آخر ٦ شهور قد فاقت عديد المجنسين خلال ١٠ سنوات.
٢- بعد القيام بتوصيات المستشارين الأجانب بالجانبين الامني والسياسي يقوم النظام بأمور ترغيبية كبيرة وتدريجية لحلحة الامور وتخفيف حدة معارضة الاكثرية له لدرجة كبيرة وتوفير مناخ يتقبل سلمان بن حمد منقذاً للوطن:
أ) ارجاع غالبية المفصولين قبل نهاية شهر مارس لوظائفهم مع التدوير والذل والقبول بشروط عودة مهينة وهذا ما يحصل على أرض الواقع.
ب) الإفراج عن مئات المحكومين بعد أخذ تعهدات مغلظة عليهم وتواقيع لعدم المشاركة بأي نشاطات مجدداً.
ج) الإفراج عن جميع الحرائر بالسجون.
د) الإبقاء على الرموز وكوادر الثورة بالسجون للمرحلة الثالثة من الحل السياسي.
ه) السماح بقناة معارضة تملكها الوفاق تروج لملكية دستورية على حسب ما ذكر بوثيقة المنامة. والقناة لها سلبياتها على النظام ولكن لها ايجابيات كبرى بنظره أهمها تبنيها لبقاء العائلة الحاكمة ومخاطبتها لحمد بصيغة جلالة الملك المكرسة لحكمه وتحويل المفهوم الرئيسي لما حصل منذ ١٤ فبراير من ثورة لأزمة سياسية محتاجة لحل سياسي.
و) تغير الخطاب الاعلامي الرسمي واستقبال الكثير من حمائم الجمعيات في مقابلات تلفزيون البحرين والصحف الرسمية وذلك تدريجياً لتقبل الموالاة والمعارضة فكرة الحوار الجاد. وسيتم تجاهل صقور الجمعيات والحقوقيين.
٣- الخطوة الثالثة من حل سلمان بن حمد تكمن في فتح خط علني رسمي منه شخصياً للشيخ عيسى قاسم وكذلك بينه وبين جمعية الوفاق بالتحديد وتكون هناك خطوات تمهيدية مصحوبة مع هذه اللقاءات:
أ) البدأ بحوار تشترك فيه جل الجمعيات السياسية ومعها تجمع الوحدة الوطنية للوصول لحل وسطي يفضي لشبه ملكية دستورية.
ب) الافراج عن كل المعتقلين السياسيين فور الانتهاء من الحوار الجاد ما عدا الرموز والكوادر المهمين بحيث لا يكون عدد المعتقلين كبيراً.
ج) الحوار سيعطي برلمان كامل الصلاحيات ويوقف التجنيس ويدعو للتحقيق فيه وفي كل الانتهاكات ضد حقوق الانسان التي مارستها السلطة منذ ١٤ فبراير مركزاً على النقاط السبع التي طرحها سلمان بن حمد في مارس الماضي.
د) التعهد والبدأ ببناء كل المساجد المهدمة أو إيجاد بديل عنها بحيث يغلق هذا الملف نهائياً.
ه) ازاحة الحكومة الحالية اثناء او بعد الحوار والتخلص من الحرس القديم.
و) تحشيد الناس للتصويت على الاستفتاء بعد التوافق على مخرجات الحوار.
٤- غالباً سترفض الوفاق مخرجات الحوار لأنها لن توصل للملكية الدستورية، وإن حدث ذلك سيتم طرح الحل البديل وهو التصويت على مجلس تأسيسي وتشرف على الاستفتاء الامم المتحدة وسيشارك بالمجلس التأسيسي غالبية اطياف المعارضة وكل اطياف الموالاة وسيوصل لمجلس تأسيسي منقسم طائفياً ذو غالبية بسيطة للموالاة بسبب التجنيس السياسي القائم على قدم وساق بحيث تحدث غالبية سياسية غير ذات ارضية واقعية والفكرة تكمن بإظهار سلمان بطلاً لتعاطفه مع الغالبية الحقيقية المسحوقة ويتبنى علناً بعض الامور عكس المجلس التأسيسي ومنها اعطاء الشيعة حقوق ووظائف بكل الوزارات والمؤسسات وبذلك يكون الشمعة التي يلتف حولها المسحوقون.
ولكن مخطط الداهية سلمان وما يصبو إليه يقف أمامه ٥ عوائق:
١- القضاء والقدر: وهو ما لا يحسبه سلمان ولا دهاته في حساباتهم وكأنهم مخلدون، فموت أحد أعمدة النظام سيخلخله وسيحدث هزة كبيرة بالحكم، وبالمقابل موت أحد الرموز بالسجن لا سمح الله سيفجر الأوضاع بطريقة لا يمكن توقعها وستحدث ردة فعل تهز البحرين والمنطقة بأسرها وخصوصاً إن لا قدر الله حدث ذلك لأحد الأستاذين عبد الوهاب حسين أو حسن مشيمع. وكذلك إن اضطرب النظام السعودي المتهالك كحاكمه فإن النظام الخليفي سيهتز ارتدادياً بطريقة لا يعرف أحد نتائجها.
٢- خليفة بن سلمان: نفوذه وتوغله الذي امتد لأكثر من ٥٠ عاماً من التسلط والعلاقات بالداخل والخارج يعتبر عائقاً كبيراً، ولكن هذا النفوذ بدأ بالانحسار لصالح سلمان بن حمد الذي سحب البساط بخبث ودهاء من تحت رجليه، ولا أصدق على ذلك ما قاله خليفة للتكفيريين في البسيتين وردة فعل سلمان بن حمد بعدها وكيفية سيطرته على الأوضاع في المحرق من الفلتان في عاشوراء الماضي.
٣- السعودية: وهي اللاعب الرئيسي والداعم الاول لخليفة بن سلمان ورغم ذلك فهي ستتخلى عنه اذا ضمنت بقاء النظام الحالي بالبحرين خليفي الهوية وقوي بلا مشاكل داخلية.
٤- التكفيريون: وهؤلاء لا يمكن السيطرة الكلية عليهم فهم مشهورون بسفكهم للدماء وتعطشهم للبطش بمخالفيهم خصوصاً الشيعة لذلك قد يقومون بعمل طائش جداً غير محسوب يفجر الأوضاع بالبحرين وهذا أمر غير مستبعد مطلقاً.
٥- ارادة الشعب: وتتمثل بالائتلاف والجمعيات وصمود الاحرار في وجه الضغوطات التي تمارس ضدهم.
ويبقى الائتلاف هو القوة التي يعمل النظام بكل أجنحته ومعه الخبراء البريطانيون والأمريكيون لإضعافه وسحقه، فهم جميعاً لا يؤمنون بقدرة الباري وما يخفيه لهم ولكنهم مؤمنون ان الشعب لا يحبهم ولا يريدهم ولا يتكلم بهذا علناً إلا الائتلاف ومن سار في خطه لذلك ضرب هذا التيار لابد منه ولو اضطروا لاستخدام أبشع وسائل القمع وهذا ما حدث ويحدث للفعاليات التي يدعو لها أو يتبناها الإئتلاف فهي تسحق بوحشية كما حصل في احتلال شارع البديع ومجزرة الشاخورة ومحرقة السنابس وما شاكلهم من جرائم.
وبالمحصلة النهائية، فإن الثورة التي انطلقت ببركة أحرار الشعب واستمرت بعطاءات المخلصين المضحين تتعرض لأبشع وأسوأ مؤامرة محلية المضمون دولية الأبعاد، ويبقى لهذا الشعب رب العالمين داعماً ومسدداً، ويبقى لديه سلاحه الأقوم وهو الصبر والإلتفاف حول المعارضة عموماً والائتلاف خصوصاً، فبقاء جذوة الثورة حتى الصيف القادم سيسحق كل المؤامرات تحت أقدام المجاهدين وسينهي كل ما يحاك بالظلام ويجبر النظام على أحد أمرين أحلاهما مر: إما الخضوع والاستسلام للملكية الدستورية وهو محال واقعاً، وإما فرض حالة سلامة وطنية مجدداً وهو انتحار سياسي سيؤدي لإسقاط النظام بطريقة دراماتيكية هوليودية لم نعشها حتى في احتلال العراق ولا في اسقاط القذافي.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}
ليث البحرين
٩-١-٢٠١٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق