نفسي فداء وطني


في مثل هذه الساعات، كتب هذا الشعار أيقونة الشهداء في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، كتبها ولم يكن كاذباً ولو بمقدار حبة خردل، ضحى بنفسه في سبيل دينه وحريته ووطنه، لقد كتبها عليٌ ومن بعدها رحل المؤمن.

مر عامٌ على المذبحة، ليلة ويوم ١٧ فبراير ٢٠١١، حيث لم تُراعى حرم الله ولا حدوده، هناك حيث عرج لله ٤ شهداء ومئات الجرحى منهم اثنان أصيبا بإعاقة دائمة. أكثر من ٦٠ مفقوداً لم يعرف مصيرهم إلا بعد أسبوع وأكثر، إنها مجزرة قدر الله برحمته أن لا يذهب بها عشرات الشهداء.

ليلة غاب عنها القمر، نام بها الآمنين في خيام الدوار، بطمأنينة وابتسامات المحبين، باتوا بالميدان ومطلبهم الرئيسي اصلاح النظام وجعل رئيس الوزراء منصباً متداولاً بالإنتخاب المباشر من الشعب، وإعطاء الصلاحيات الكاملة  للمجلس المنتخب. وكذلك المحاكمة العادلة لقتلة مشيمع والمتروك.

كانت هي تلك الليلة، التي وعد الملك قبلها بليلة وولي العهد بنفس الليلة، كلاهما وعدا بالسماح بالاعتصام السلمي بالبقاء والحفاظ على الشعب بنساءه ورجاله وأطفاله وشيوخه بأمنٍ وأمان حتى الوصول لصيغة تضمن السلم الاهلي والعدالة الاجتماعية.

ودع الغالبية الميدان بعد منتصف الليل وهم يتمنون المبيت فيه الليلة القادمة وهي ليلة الجمعة، كانوا يتوقعونها ليلة هادئة مليئة بالحب الصادق الذي جمع الآلاف في ذلك الميدان، ترجيناها سلامٌ حتى مطلع الفجر.

تحركت عقارب الساعة، لدغت قلوبنا وهي تشير للثالثة فجراً، بين الخيام، أطفال نائمة ونساء قلوبها مطمئنة، رجال تحرس الميدان، بعضهم يقرأ القرآن وغالبيتهم نيام، هنا توقف الزمن وحلت الواقعة، قوات الملك الخاصة بملابسها السوداء وعتادها وسلاحها الذي منذ انشائها لم تستخدمه، بتدريبها الذي اشرفت عليه المخابرات الامريكية، تهاجم شعب البحرين الذي كان الميدان قلبه واللؤلؤة رمزه.

صورٌ لا تُمحى من الذاكرة، رضيعٌ مختنق في سيارة والده يبكي، حاول الشباب كسر النافذة لإنقاذه ولكنهم عجزوا، فالغازات السامة جعلت الرؤية معدومة والتنفس مستحيل. إمرأة سقطت على الأرض وقام أحد الشباب بانتشالها وسط الغازات وعندها اخترقت يده وصدره رصاصات حية واضرج بالدماء. عجوز بالسبعينات من عمرها اغمي عليها وتم دهسها وسط الغمام ولم يعرف مصيرها وكانت بين الحياة والموت طوال أيام.

أي غدر هذا الذي عجنت به طينة الظالمين، كيف يجوز لهم فعل هذه الجريمة النكراء، في ساعات الفجر والناس نائمة في ميدانٍ عام، الغازات والسلاح بأقسى وأشد أنواعه يستخدم لذبح شعبٍ مسالم، وكل ذلك تم بأمر الملك الذي اجتمع بأركان مجلسه العسكري وبحضور نجليه خالد وناصر، أمرهم بإبادة الثورة الاصلاحية فحق عليه اللعن ووصمه بالساقط خلقاً وديناً وعرفاً ومنطقاً، ولذلك من منا لم يهتف قلبه ويلهج لسانه بشعار الثورة "يسقط حمد".

واللهِ يسقط حمد، يسقط رأس العهر السفاح الذي لم يرحم رضيعاً ولا شيخاً، لا امراةً ولا رجلاً، يسقط لكل ما يمثله من عار وخسة ودناءة  فهو الغادر بأبشع صوره، والقاتل بكل تجلياته، وهل ننسى جسد العريس القمر محمود ابو تاكي وهو مضرجٌ بدمائه وكان يدافع عن عرضه، أيعقل ان نتناسى جسد الحاج علي خضير الممزق من الرصاص الانشطاري.

أنظر بعينيك لترى رأس الشهيد عيسى عبد الحسن متهشماً، بعد إن تم إعدامه، قيده أحد قتلة وزارة الداخلية وأكبه على وجهه كما كب الشمر سبط النبي على ثرى كربلاء، وعوض السيف استخدم سلاحه ووضع فوهته في جبهته وناثر اشلائها في منظرٍ بشع مؤلم لا يمكن تصديقه.

وبعد كل هذا جاء اول فرسان ميدان الحرية وايقونة شهداءه، بطل يوم الخميس الدامي، ودع اهله وتوجه للميدان لإنقاذ الاطفال والنساء، لبس كفنه وتسربل درع ايمانه، مضى وقد رأى وسمع ما حدث للشهداء الثلاثة، ولكنه الاخلاص في طاعة ربه والايمان بعدالة قضيته دفعاه للمضي قدماً رغم الخطورة البالغة.

ترجل الفارس عن صهوته مع أقرانه، حاصره القتلة عند اشارات القفول، سقط بعد اصابته وبقي وحده يعاني آلام جرحه، لم يصرخ مستغيثاً لأحدٍ غير ربه، الله الله يا علي ما اروعك حتى اقبل الجاني ليمزق اعضائك، لقد قطعوه ارباً على قارعة الطريق، قطعوه وهو يكبر ويحمد ربه، اخرجوا امعائه من جسده، طعنوه ولم برحموه وتركوه ينزف لساعات تصهره الشمس بلهيبها والاسفلت بحرارته.

هكذا كان يوم الخميس الدامي، حفر نفسه في ذاكرتنا للأبد، فمن محمود أبو تاكي وعلي خضير لعيسى عبد الحسن وعلي مؤمن، كوكبة صدقوا ما عاهدوا الله عليه، سارعوا لله فقبل منهم صدق نيتهم، وسيبقون الشعلة التي تنير لنا درب آلام الحرية. ومنهم ومن دمائهم رفعنا شعارنا المركزي:
"من يوم الخميس انهينا الكلام .. الشعب يريد اسقاط النظام".

فسلامٌ عليكم يا شهداء البحرين، سلامٌ من عاشقٍ ذاب في عرفان ارواحكم وتاه في محبة اخلاصكم، سلام من يرى في موته سعادة وحياته مع الظالمين برما، فهيهات هيهات نبيع تضحياتكم، هيهات نتنازل عن كل قطرةٍ من دمائكم.

نعاهدكم ونبايعكم، يا مدرسة النضال ومعدن الرجال الرجال، واللهِ لن نهدأ حتى يسقط النظام، وشعارنا الخالد الذي تعلمناه من أعظم فرسان ميدان الشهداء ونقشناه في اعماق قلوبنا:
"نفسي فداء وطني".

ليث البحرين
١٦-٢-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق