نوحي على الأولاد


دمعة في وسط الصمت، سكونها قاتل، لا أستطيع اظهارها كي لا يرى القتلة ضعفي ولا أنشر بين أحبتي ظليمتي فيقتلهم همي، هي الدمعة التي أبوح بها بحرقة قلبي كل ليلة، والناس نيام مطمئنون وأنا أعاني غربتي وجرحي لوحدي، هي قصيدة مطلعها الحزن وأوسطها الشجن وآخرها قهرٌ ووجعٌ وألم.

ماذا عساني أعبِّر وماذا عساني أقول، فلا يغمض جفناي إلا وأراك تناديني تناغيني وتبتسم لي، تهمس لي بكل طمأنينة وهدوء "أماه لا تجزعي إن موعدنا الجنة".

يا بدر حياتي ويا أملي، أمر صباح كل يوم لأوقظك لمدرستك، أتناسى غيابك فيوجعني شعور فقدك في كل حين، عندها أسقط منهدة الأركان على سريرك، فأضم قميصك ألثمه وصورتك أقبلها، أعبر عن شوقٍ لا متناهٍ ولا حدود لمداه.

كيف أنساك وطعامك المفضل ما زلت أحضره، ومزاحك معي ومع أبيك وأخوتك وأنفاسك تجوب أنحاء المنزل، فهناك كنت تجلس مع أخوانك تتناقش بحدة حول نتائج فرقك المفضلة وهناك تلعب معهم بالألعاب الالكترونية، وتلك منضدتك حيث تضع كتبك وترمي بملابسك عليها لأرتبها لك بعد تعنيفك.

بريق عينيك يا قرة العين يزلزل كياني، أذكر تلك النظرة منذ نعومة أظفارك، وكيف كانت جميلة مصحوبة بابتسامة بريئة عذبة حين نطقت لأول مرة بكلمة "ماما"، وأذكر كيف كنت أذاكر معك دراستك وواجباتك، كنت عصبية معك فاعذر أمك لجهلها فقد كنت تعلمني أكثر مما اتعلم منك.

أردتك ذخري في شيخوختي وكبري، سندي الذي أضع عليه حملي فيحميني يوم حاجتي وضعفي، أتراك تتركني وقد بنيت كل رجائي عليك من بين أخوتك، فلِمَ تمتنع عن الرد يا ولدي، أجبني إن كنت قادراً وإطفأ بعض جمرات أحشائي فقد استعرت ناراً منذ رحيلك عني وبعدك القصري عن حياتي.

حلمت بيوم زفافك، يوم أراك بكامل أناقتك عريساً لخيرة نساء بلدك، ويهنئني الجميع بفرحتك، ويالها من فرحة سُرقت مني، وهذه زفات الشباب تترى في حينا وقريتنا وقد زففتك إلى حور عينك، حنتك دمك وفرشك تراب قبرك ومعازيمك غرباء اللحد والكفن.

أنا ميتةً حية من بعدك يا فلذة فؤادي، ابتسم مجاملةً للآخرين وأمثل دور الأحياء في عالمٍ صبغت اطاره بدمك القاني، فعقلي ما زال يسألني كيف عذبوك حتى الموت في سجونهم، كيف احتملت الألم والصفعات والصعقات الكهربائية، وهل اغتصبوك ام اكتفوا بالتحرش الجنسي، يقطعني هذا التفكير الذي لا بداية ولا نهاية له، هل رفق بك رصاصهم حين أصابك، وعلى أي موضعٍ كريم وقعت ضرباتهم ونيرانهم، هل قبلتك وشممتك في ذاك الموضع الذي عذبوك فيه أم تراني مقصرةً بحناني ومحبتي لك.

ولدي، إن عزائي ليس بزفافٍ رمزي وتشييعٍ يحضره الآلاف، إنما عزائي حين أرى الميدان مليئاً بالرجال من امثالك، من صنعتم الحياة في موتكم ودمتم بعزة ورحمة من ربكم، وسلوتي بمصيبة سيدة النساء، التي كانت تعلم بعذابات فلذات كبدها، نعم علمت بقتل الحسن على يد زوجه وكيف سيكون جسده مخضراً من السم النقيع، علمت ان الحسين يحز رأسه بسيف الشمر من الوريد الى الوريد وغسله دمه ولحده أرض كربلاء وسمائها، ولكنها ما جزعت ولا تندمت بل قدمتهما قرباناً لله وعزته ونصرةً لرسوله ودينه، وأوصت بآخر لحظاتها في الدنيا ابنتها زينب أن تشم صدر الحسين حيث موضع حوافر الخيول وتقبل نحره حيث موضع سيف ابن ذي الجوشن، بهذه السيدة العظيمة وتضحياتها الجسام سلوتي وصبري وسكوني، فبكائي من بكائها وعزائي بالله وبها، ولسان حالي يقول:

نـوحي عـلـى الأولاد يا زهره الحزينه
في كربلا واحد و واحد في المدينه

اتـفـرگوا عـنـج وصـار الشمل تبديد
من جعده واحد گضه و واحد گضه من يزيد
واحـد دفـن عـنـدج و واحد عنج بعيد
گبـر الحسن عندج و گبر حسين وينه

"لسان حال أمهات قواسم الثورة"

ليث البحرين
٧-٢-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق