منذ طفولتي، كنت اعتبر ليبيا دولة متخلفة، لا حضارة فيها، لا نور فيها، لا تقدم او علم بها لما أراه من تخلف القذافي والمعلوم عن اِحكام قبضته الحديدية على شعبه.
حتى جاء مغيب يوم ١٦-٢-٢٠١١، كنت متوجهاً لميدان الشهداء وجاء خبر عاجل ان شباب بنغازي سيخرجون في مسيرات للمطالبة بإصلاحات سياسية، نعم لم اصدق هل هذا واقع ام خيال. وللعلم فأنا لا اعرف من ليبيا حينها الا مدينتين هما بنغازي وطرابلس فقط حيث ان الاعلام لا يتحدث عن هذه الدولة المعزولة المنكوبة.
وليلتها خرج اقل من ٢٠٠ شاباً ليبياً ثائراً، كانوا مجانين حسب مقاييس عنف القذافي وعدم تجاوب الناس مع اي تغيير يحدث لوحشية مرتزقته. خرج الشباب وكانوا مودعين لأهلهم ويحملون الورود على خطى الثورات التونسية والمصرية.
وما حدث لهم لا يتحمله عقل، هم لم يقمعوا، لم يعتقلوا، لم يضربوا حتى بالرصاص الحي، فما كان هذا يقنع القذافي ومرتزقته، لقد استخدم جلاوزته مضادات الطائرات لقتلهم فقتل منهم العشرات الذين تمزقت اجسادهم ارباً ارباً بحيث تم تجميعها ودفنها معاً لعدم امكانية التعرف على اصحابها او اعادة تركيبها.
خرج المئات في تشييعهم تحت مراقبة مرتزقة اولاد القذافي القتله، ومن خرج بالتشييع لم يكونوا استشهاديين ولا مسلحين بل كانوا غاضبين وناقمين لفقد احبتهم، ولم يكد ينتهي التشييع حتى تكررت حالة القمع الوحشي بدون مبرر وقتل من ذوي الشهداء العشرات كذلك.
فحدث مالم يكن بالحسبان خلال ٤٨ ساعة من هذه الحادثة، حيث خرج المئات من الشباب والشابات بالشموع والورود ليلاً وكسروا حاجز الخوف ليهتفوا في وسط المدينه بهتاف اسقاط النظام، وما لبثوا ان قمعوا بوحشية اشد من ما مضى، وحينها هجم الشباب الغاضب الذي يرى موته سعادة وشرف في ظل هذا القمع الرهيب، هجموا بصدورهم العارية على الدبابات والمدرعات المليئة بالمرتزقة، هجموا بالمئات وبروح فدائية اسطورية على القتله وواجهوهم وسيطروا على بعض مدراعتهم والكثير من اسلحتهم ورشاشاتهم.
وما هي إلا أيام حتى حرر الثوار الشباب بنغازي بدمهم وكبريائهم بدون تبعية لحزب او تيار او قائد سياسي معين، حرروا مدينتهم بدمهم رغم علمهم انهم ومدينتهم سيدفعون ثمناً غالياً بسبب ثورتهم.
نعم، لقد فعلت بنغازي مالا يمكن تخيله ابداً، تحررت بيدها من قاتلها وقدمت آلاف الشهداء واضعافهم من الجرحى لاسقاط النظام ومنها انطلقت شرارة الثورة التي انتهت باعدام القذافي ومعه اغلب ابنائه ليدفع غالياً ثمن جرائمه.
لم ينفع القذافي سجونه الرهيبة التي تكشفت بعد تحرير ليبيا من نظامه عن عشرات آلاف الاسرى الذين قضى بعضهم اكثر من ٣٠ سنة بالسجن مغيباً مفقوداً عن اهله، لم ينفع القذافي قتله للسيد موسى الصدر والقاء جثته بالبحر واخفاء امره، لم ينفعه مال قارون الذي كدسه لدنياه الفانية ومات بدون ان يستطعمه، لم ينفعه ابداً لقب ملك ملوك افريقيا ولا تغيير اسم وعلم ليبيا ولا كتابه الاخضر، فذهب جرذاً تافهاً ذليلاً مسحوقاً لربه الذي لن يرحمه بعد كل ما اقترفت يداه طوال ٤٢ عاماً.
نعم انها ليبيا عِبرةً للجميع، ويجب ان نستلهم منها درسٌ مفيد، ان الشباب الثائر بالبحرين كما بنغازي هو الذي يملك زمام المبادرة، وهو من يملك مفاتيح التغيير، فلا تعويل على حل سياسي من الجمعيات السياسية المقيدة بالانظمة الظالمة للنظام، ولا تعويل على الساسيين المخضرمين الذين يقرأون الواقع ولا يعيشون الثورة، ولا تعويل أبداً على الخارج فأمريكا هي الشيطان الأكبر الذي يدعم آل خليفة ولا يستطيع حمد ان يحرك ساكناً بدون رأيهم ومشورتهم.
ان تعويلنا بعد الله على شباب وحرائر الثورة الذين يواجهون الموت مع من ليس في قلوبهم رحمة، فشباب ثورتنا هم كنز مدخرٌ لنا للنصر والثبات وبدونهم تضيع التضحيات.
انحني لكم اجلالاً يا اشرف الناس، واقف لتعظيم بطولاتكم وتضحياتكم، بكم سننتصر وبكم سنصل لبر الأمان، فأنتم كما كان شباب بنغازي سهم الكرامة الاصيل الذي سيصيب النظام ويعطل عجلته ويحقق لنا النصر.
وكما قال امير المؤمنين (ع):
فالموت في حياتكم مقهورين
والحياة في موتكم قاهرين
ليث البحرين
٢٢-١٠-٢٠١١
قبيل فعالية سهام الكرامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق