تغاريد الألم


إن جراحات شعب البحرين متوالية تدمي القلوب النابضة بالانسانية، فمن ٤٤ شهيداً، إلى ميتين سريرياً، لمئات الجرحى ومنهم من فقد بصره أو إحدى حواسه الأخرى، إلى هدم المساجد وحرق المصاحف الشريفة، لضرب وتعذيب النساء وغيرها من الجراحات.

ورغم كل هذه الآلام الرهيبة والجراحات الكبيرة، يبزغ وسط هذا المستنقع الرهيب فجر الوطن السعيد، وتغرد ألحان فجره القادم بأعذب التلاحين طيور الحرية الأبية لتعزف "تغاريد الألم" المبشرة بالنصر المبين.

ولعلي اغتنم فرصة العيد لنشر بعض هذه التغاريد والتأكيد الهادف على غيض من فيض انجازات هذه الثورة المباركة بما يقارب التسعة أشهر فقط منذ انطلاقتها:

١- الوحدة الوطنية: ويعد هذا أكبر الانجازات التي تحققت منذ انطلاق الثورة. فحين نعلم ان الشيخ المفدى عيسى قاسم حفظه الله قد هتف عام ٢٠٠٧ "تسقط العلمانية" من فوق منبر الجمعة، ولكنه منذ بداية الثورة بارك التقارب بين الوفاق التي تتبع لنهجه السياسي وبين الجمعيات العلمانية وخصوصاً وعد، فإن هذا التحول هو انتصار تاريخي للشيخ والوطن برمته وقد أعاد بريق اللحمة الوطنية للساحة من جديد.

ومثال آخر على الوحدة الوطنية ما حدث أيام الميدان من سلسلة بشرية بين الفاتح والدوار، وكذلك رفع الأذان للطائفتين الكريمتين في الميدان خصوصاً أذان المغرب مما ساعد على نشر ثقافة تقبل الاختلاف تحت راية الوطن.

٢- الوحدة الدينية: وهذه من معاجز الثورة، ولعل أبرز ملامحها ما حدث من توحيد لعزاء المآتم في العاصمة المنامة. فمن كان يتوقع أن تتوحد القلوب بعد الفرقة والتشرذم الذي وصل لحد التسقيط بين أبناء الوطن الواحد بل بين أبناء المذهب الواحد، ولكن شاء الله ان تتآلف القلوب لنرى الخطوط تنصر بعضها بعضاً وترى الوحدة هدفاً ونبراساً تخطه بفخر للأجيال القادمة.

٣- دور المرأة: وهذا لا يخفى على أحد، فدور المرأة ومكانتها بالمجتمع والحراك السياسي والوطني تعزز بعشرات أضعاف زمن ما قبل الثورة، فمن كان يتوقع ان تكون المرأة صاحبة الأثر الكبير في ثورة ١٤ فبراير، فهي لم تكتفي بدورها كأم وأخت وابنه للمناضل من أجل الوطن، بل شاركته بقوة في سجنه، في آلامه، فيما يتعرض له من تعذيب واضطهاد، في التشرد، وحتى في الفصل التعسفي المذهبي عن العمل والدراسة.

فكل ما قدمته المرأة غيَّر الكثير من العقول من منتقدة إلى داعمة وراعية لدور المرأة الريادي في خدمة قضايا الوطن، بل جعل حتى الكثير من الملتزمين دينياً يفتخرون بمناضلات لا ينتمون للتيار الديني ولعل أبرزهن رولا الصفار التي ينحني لها الجميع اجلالاً رغم عدم انتمائها لتيار ديني اسلامي.

٤- التكافل الاجتماعي: ويعد هذا أحد الانجازات الهامة، فليس من السهل أن يقدم الموظف جزء من راتبه للمحتاجين من عوائل المفصولين والمعتقلين، رغم صعوبات الحياة وخطورة الوضع حيث لا يعلم أحد متى يأتي دوره في الفصل أو الايقاف عن العمل.

وهذا التكافل أذاب الكثير من الجليد بالمجتمع ورسخ العلاقات الانسانية بين أفراده وصنع طوق نجاة للجميع وأشعل الشمعة المضيئة في سبيل حرية وكرامة الوطن.

٥- رموز بناء الوطن: من كان يعرف الرموز التي عذبت وسجنت، من كان يعرف ما قدموه للوطن وتاريخهم النضالي، من كان يعرف افكارهم ومدى نضجهم السياسي؟

لقد قدمت هذه الثورة الرموز المخلصة في كل مجالات الحياة لبناء الغد الواعد وعرفت الناس بهم، فتراها قدمت رموز السياسة والدين، ونجوم الرياضة والصحافة، ورموز العمل الحقوقي والنضالي، ورموز الاقتصاد والفكر، فبهذه الرموز والكوادر تم حماية الوطن وبداية بناء مستقبله، وهذا الانجاز الكبير ما كان ليتحقق لولا حماقة النظام وعنجهيته، فلابد من شكره على ما فعله ليصنع لنا نجوماً تضئ سماء البحرين.

٦- تعرية المتسلقين: لقد فضحت الثورة المندسين وأصحاب الأفكار المنحرفة، لقد عرت المتسلقين وملاك المصالح الشخصية الضيقة، فمنهم من فضحته وهو معمم كعبد المحسن العصفور، ومنهم من هو شيخ دين لم يفقه من الإسلام إلا ما يناسب مصلحته كعبد اللطيف المحمود، ومنهم الذي باع وطنيته ومبدأه مثل سوسن الشاعر وسعيد الحمد، ومنهم من تراه يتقلب على بطنه وظهره كالحرباء من أجل مصالحه فهو في يومٍ يهتف باسقاط النظام وبعد يوم يفصل المئات مثل النقابي علي البنعلي.

٧- حمل راية الوطن: تشرفنا بحملها في كل الميادين، تشرفنا برفعها عالياً، فرايتنا الخفاقة أذلتهم وفضحتهم حتى اتهمونا بعدد المثلثات، ووصل بهم الحال لطرح علم بديل للبحرين، لأن علم الوطن أصبح رمزاً للثورة والثائرين.

إن ما ذُكر ليس إلا النزر اليسير من انجازات ثورة الرابع عشر من فبراير، وليس إلا لحناً واحداً في سمفونية تغاريد الألم المجيدة، فهنيئاً لك يا شعبي وعيك ووحدتك، هنيئاً لك انجازاتك وعدتك، وموعدكم قريباً مع النصر المبين، لتفرح البحرين كل البحرين وتشرق شمسها الصادقة من جديد، وهذا ليس على الله ببعيد، "فإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب".

ليث البحرين
٥-١١-٢٠١١           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق