الصمود، ليس كلمةً تنطق ولا حرفاً يقال، الصمود هو التحدي بالثبات على المبدأ وتجرع الجراحات والعذابات بكل أريحية وبإبتسامة تخفي الألم في سبيل تحقيق الأهداف السامية.
ولعل صمود الأنبياء والرسل في وجه أعداء الله والانسانية هو مضرب الأمثال، والحال نفسه مع أحرار وثوار العالم الذين سطروا بدمائهم وتضحياتهم وصبرهم صفحات من نور على جدار الزمن.
ومن أمثلة الصمود الراقية هي صبر سيد الخلق محمد "ص" في سبيل دعوة ربه، فهذا الصبر العظيم أثمر انتصار رسالته وخلودها ليوم القيامة وهو مصداق اختيار ربه له ليكون خاتم المرسلين، والثبات على المبدأ ما كان ليكون لولا المدد الإلهي ودعم بعض أشرف البشر لخدمة الرسول الأعظم، ومن أبرزهم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام.
لقد وقفت السيدة خديجة موقفاً تاريخياً مشرفاً بدعمها اللا محدود لزوجها في دعوته وجهاده، فضحت بكل ما تملك في سبيل راحته ونجاح نبوته وتحقيق ما يصبو إليه، تراها تبذل مالها كله فداءً للرسول تارة، وتعتكف معه في شعب أبي طالب لثلاث سنين عجاف تارةً أخرى، تنتقل من حياة الدلال والغنى إلى حياة التقشف لتسهر على راحة زوجها، تمسح عنه معاناته وتخفف عن كاهله الأعباء، ومن مثلها وهي أول من آمنة بمحمدٍ من النساء. كل هذا وأكثر قدمته خديجة وقدمته نساء الاسلام من أجل الحق، وهل يخفى علينا أن أول شهداء الاسلام هي سمية أم عمار بن ياسر.
فللنساء دور محوري في انجاح أي ثورة أو رسالة عقائدية كانت أو فكرية، تحررية أو تصحيحية. إن للمرأة دور لا يماثلها به أحد، فهي الأم التي تقدم فلذة كبدها فداءً للقضية، وهي الزوجة التي تودع زوجها وتقدمه قرباناً من أجل الحرية، وهي الأخت التي تدعو بنصر وسلامة أخوانها في ساحات النضال وتعالج جرحاهم، وهي الابنة التي تعين عائلتها في ظل غياب الأحبة سواء شهداء أو جرحى أو معتقلين.
ولدينا نماذج ماسية من النساء قدمتها ثورتنا المباركة، فمن مثل رولا الصفار بحنانها وانسانيتها، من مثل جليلة السلمان بصبرها وعزيمتها، من مثل معصومة السيد وأميرات الميدان في جهادهن وشجاعتهن، ومن مثل مدرساتنا وطبيباتنا وفناناتنا وشاعراتنا اللائي قدمن الغالي والنفيس وتحملن التعذيب والتهديد والتحرش وصولاً لبعض حالات الاغتصاب الجنسي وكل هذا قدمنه لايمانهن الصادق بالحق والحرية.
ومن أروع الأمثلة على الاطلاق ما قدمته عائلة الخواجة من نماذج مخلدة للانسانية، فوالدة عبد الهادي الخواجة قدمت رمزين وهما صلاح وعبد الهادي اللذين عذبا بوحشية وهمجية تقشعر لها الأبدان وهي صابرة محتسبة، وزوجة عبد الهادي الخواجة قدمت زوجها المضرب عن الطعام لشهرٍ كامل ونادته من خالف الأسوار بقلبٍ كظيم: (أريدك حراً أو محمولاً لقبرك، فلا تليق بمثلك إلا الحرية). أما بناته فهن لآلئ نشرها عبد الهادي الخواجة بعطره البهيج على ساحات الوطن لتبلسم جراحاته، فابنته زينب هي بطلة الثورة بلا منازع وهي الوحيدة التي أعتقلت ٣ مرات والوحيدة التي أطلق اسمها على أحد الميادين العامة "دوار زينب الخواجة" وهي زوجة أحد أبطالنا الذي قضى شهوراً طوال تحت التعذيب والتهديد النفسي الرهيب انتقاماً من زوجته ووالدها قبل الإفراج عنه مؤخراً، وابنته مريم هي سفيرة ثورتنا فوق العادة للعالم أجمع وهي أول من تحدث علناً مع قادة أمريكا بإحراجها لوزيرة خارجيتهم في محفل رسمي بكل حزمٍ ولباقة، وابنتيه الباقيتين إحداهما زوجة المناضل الحقوقي المسقطي والأخرى خطيبة أحد أبطالنا الذي قضى ٦ شهور رهن الإعتقال وأطلق سراحه بعد تعذيبه ببشاعة.
وهذه ليست إلا نماذج قليلة من نماذج رائعة كثيرة لو حاولنا أن نجمعها واللهِ لن نستطيع، فأمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا وكل حرائرنا قد قدمن للثورة ضعف ما قدمه الرجل، فهي من تدفعه للخروج بالمسيرات ومقاومة المرتزقة، وهي من تعالجه حين اصابته، وهي من تحتضنه عند عودته، وهي من تدعو لصلاحه وسلامته واطلاق سراحه، وهي من تصبر على فراقه إذا استشهد أو اعتقل، وقبل كل ما سبق فهي التي تشاركه جنباً لجنب في مسيرات التحدي تحت راية اسقاط نظام القتلة.
لله دركن يا نسائنا، فتضحايتكن شعلة تنير لنا درب الكرامة، نفتخر بما تقدمنه ونشعر بالخجل في قبال شجاعتكن، وهل هناك تضحية أكبر من بذل النفس وقد قدمت ثورتنا ١٦ شهيدة من ضمن ٧٥ شهيداً للثورة بما يشكل ٢١٪ من إجمالي عدد الشهداء وهي نسبة كبيرة تعبر عن عمق تواجد النساء بساحات جهاد الثورة.
فسلامٌ عليكن يا معنى الثبات ومعدن الصمود، وتحية من القلب لكن يا خير النساء، نفتخر بكن ونرفعكن تاجاً فوق رؤوسنا، فإن كن الممرضات ملائكةً للرحمة وهو واقع، فإن نساء ثورة ١٤ فبراير في البحرين هن "ملائكة الصمود" بلا منازع.
ليث البحرين
٨-٣-٢٠١٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق