إنَّ صبري .. جبلٌ شامخ


الصبر هو خلق الأنبياء، هو صفة العظماء والشرفاء، فالصبر مفتاح الفرج لمشاكل الانسانية، به رقى البشر وتطورت حضاراتهم على وجه البسيطة، فالبصبر الجميل تحققت انجازات الانسان العظمى واستلهم منه القوة والعزيمة للوصول لما يرنو إليه من منزلة مرموقة بين خلائق الباري.

وبالمرور على سيرة الأنبياء والأوصياء، وكذلك علماء البشرية في شتى مجالات العلم من كيمياء وفيزياء ورياضيات وغيرها من العلوم الانسانية، تتضح لنا آثار الصبر وثماره الخالدة، فالأنبياء والفلاسفة حوربوا وجوبهوا بكل أنواع التنكيل والتسقيط والتقزيم ورغم ذلك انتصروا وخلدوا لأنفسهم مكانة رائعة بالتاريخ وما زالت آثارهم موجودة مؤثرة في وجدان بني آدم.

وعلى نفس المنوال، فإن صبر العلماء والجهابذة أثمر التطور الانساني المستمر على مر العصور، فوصلنا لمرحلة علوم الفضاء والأحياء الدقيقة بفضل صبر هؤلاء العظماء ومثابرتهم رغم ما واجهوه من مظلومية، ومن امثلتهم ما حدث لسقراط وجاليليو وآخرون، قد قدموا العطاءات العظمى من أجل الحقيقة والعلم والبشرية جمعاء.

فالبصبر تنال الأمم مبتغاها وتحلق في فضاء الحرية الكبرى، وبالحلم الجميل تقدم البشرية التضحيات الجسام في سبيل الحق، ولعل أروع البذل والعطاء هو التضحية بالنفس وهو غاية الجود والكرم، وهنا تكمن خاصية الصبر في أنقى صوره الممكنة التي لا يمكن أن تصفها الكلمات وتعجز أمامها الحروف.

فبالشهداء وحلم أهاليهم وأحبتهم تتحقق المطالب وتسقط الدكتاتورية، وبالأسرى وصبرهم الجميل رغم القيود والتعذيب والتنكيل الرهيب تتحقق المطالب الحقة، وبالجرحى وآلامهم وعذاباتهم يزدهر المجتمع الطامح لكسر قيود الطغات واسقاط عروش الظلمة.

فكيف الحال بمن شمل الحالات الثلاث جميعاً، فتارةً هو معتقل يتعذب ويضرب بوحشية ويهدد بعرضه وشرفه لا لشئ إلا مطالبته بالحرية، وتارةً أخرى هو جريح أصيب بقنبلة صوتية مزقت بعض أحشائه وناثرت دمه على التراب ليطهره بنقاءه، وتارةً ثالثة هو الشهيد الذي قضى في الميدان وسقط مختنقاً وبقي يعالج روحه لعدة مرات حتى جاء يومه وقضى اختناقاً بالغازات السامة، إنه صبري محفوظ شهيد البحرين الأعز.

أي صبرٍ هو صبري، تحمل عذابات القيود ووحشية تعذيب القتلة في ظلمات السجون، لم تفارقه الابتسامة رغم الجوع والضرب والحرمان والألم، واصل حراكه بعد الإفراج عنه فأصيب أكثر من مرة في الميادين فكان لؤلؤتها الراقية وبطلها المنتصر بدمائه القانية، وغشي عليه مرات متعددة من فرط استخدام الغازات السامة من جهة ووقوفه في وجه المرتزقة رغم قمعهم من جهة ثانية فكان آخر من ينسحب من المواجهات البطولية بعد أن يطمئن على سلامة صحبه وأقرانه. وقضى شهيداً مختنقاً بالغازات السامة لتكون خاتمته مسكاً لا مثيل له، فصبري هو العطر الراقي الذي لن يتكرر.

يحق لك يا صبري أن تفخر، فوجهك القمر المتلئلئ في ليلة كماله خط لنا نهج الثورة الصادقة، عيناك تحكي النصر المؤزر القادم رغم وعورة الطريق، ابتسامتك ترسم لوحة الأمل بغدٍ أفضل للبحرين بدون آل خليفة، وروحك المعطاءة في خضم الجراحات والقيود والعذابات عزفت أنشودة الصبر العظمى، فأنت مدرسة الجهاد والتضحية والعطاء، ولسان حال شباب الثورة يقول عرفاناً لبطولتك واخلاصك:
إن صبري جبلٌ شامخ .. راسخ
لم يكن يوماً رماداً في مهب الريح

قبسٌ ملتهبٌ صبري .. يجري
جريان الماء بالتهليل والتسبيح

صدمت فيه الجراحات .. حتى
أنها قد جُرِّحت في غاية التجريح

والمآسي عنه تلتم .. تمضي
أي صبر رزأه قد كابد التجريح*

فسلامٌ عليك يا صبري يوم ولدت، ويوم ترعرت شاباً ثورياً مخلصاً للوطن، ويوم عذبت في السجون الخليفية بكل حقدٍ ووحشية، ويوم أصبت ونزفت دمك من أجل الحرية، ويوم استشهدت مختنقاً بغازات حمد السامة، ويوم تبعث حياً نقياً صافياً كصفاء روحك يا قدوة ثوار البحرين.

ليث البحرين
٢٠-٣-٢٠١٢

*من قصيدة (سلامٌ على الإمام الحسين) للشاعر عبد الله القرمزي وأداء الرادود صالح الدرازي، ليلة الأربعين في مأتم بن سلوم سنة ١٤١٧ هجرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق