لعينيكِ أمي


أمي ..
يا عطر الندى ويا أرقى الأشعار، يا من وهبتني بقدرة الخالق الحياة، يا من حملتيني ثقلاً بين أحشائكِ نغص عليكِ حياتكِ لشهورٍ طوال حرمتي فيها من ألذ الطعام والنوم الهنئ وراحة البال، سهرتي لأنام قرب قلبكِ وذبتي من أجل حياتي.

والدتي ..
 كيف لي أن أصف صبركِ على ألم ولادتي، تحملتي العذاب الذي به غفر الله لكِ ما تقدم من ذنوبكِ لشدته وقسوته فقط وفقط من أجلي، فأشرقت دنياي برؤيتكِ والاحساس الذي لا مثيل له من عطفكِ وحنانك.

مربيتي ..
ربيتِني رضيعاً وأطعمتِني من أنقى ما يتذوقه البشر، إنه الحب الذي لا حدود له، فكان لبنكِ عسلاً مصفاً يشعرني بالنرجسية كلما ملأ جوفي بعذوبته، فمن مثلي محظوظٌ بملاكٍ يحرسه بروحه النقية التي تعطي بلا مقابل.

ملاكي ..
ترعرعت طفلاً صغيراً بين حضنكِ الدافئ وقلبكِ الحنون، وكم أتعبتكِ سهراً وألماً بسبب مشاغبتي، فكيف أنسى عيادتكِ لي عند مرضي والعصير والطعام الذي تجهزيه لينمو عظمي ويقوى جسمي وكل هذا ضريبته عليكِ وعلى صحتكِ وراحتكِ.

معلمتي ..
إن أول ما نطق به لساني ولهج به قلبي هو نداء "أمي"، وأرقى من تعلمت منه الأخلاق والصفات الحميدة أنتِ يا أمي، أذكر تعليمكِ إياي للصلاة وصبركِ على كثير أسئلتي، فلقد علمتني الحروف والأرقام، العلوم والرياضيات واللغات، فاجتهدت بدراستي وفاءً لعطائكِ اللا محدود في سبيل نجاحي وتفوقي، وكيف لي أن أفشل ووالدتي هي من تدرسني وتوفر وسائل الحنان والاطمئنان والاجواء المنزلية الجميلة لأتفوق في تحصيلي العلمي.

ملهمتي ..
تخرجت من مدرستي وتفوقت في جامعتي ورفعت رأسك عالياً يا غاليتي، فقد ألهمتني الصبر والثبات على الدرب رغم الصعاب في سبيل الوصول للأهداف وهذا نتاج ما زرعتيه في قلبي فأثمر نجاحاً ما كان ليكون لولا توجيهاتكِ وتربيتكِ يا ملهمتي.

قدوتي ..
وقفتي معي وساندتني حتى حصلت على وظيفةٍ مناسبة كانت حلماً بالنسبة لي، دعمتني حتى اشتد عودي وثبَّت قدمي في الحياة، رأيت نظراتكِ الحانية وعيونكِ الدامعة فرحاً يوم زفافي وعرسي فكانت لحظةً تمنيت ان تستمر لأراكِ فرحةً دوماً يا أمي، ما توقفتي لحظةً واحدةً ولا ترددتي أبداً عن مساعدتي، فتجاوزتي عن جسارتي وتمردي وكثير أخطائي وصلافتي التي لو كنت محلكِ ما غفرتها لنفسي، فكنتِ حقاً قدوتي التي أستلهم منها الحنان والحب والعفو والصبر والاحساس بمعاناة الأخرين والتجاوز عن من أساء لي.

لعينيكِ أمي ..
سأمضي على خطاكِ وعلى تربيتكِ الصالحة لي، سأبقى علماً منيراً للحرية التي ربيتِني عليها منذ نعومة أظفاري، فإغفري لي زلتي وتجاوزي عن إسائتي كما عهدتكِ يا نور عيني، واصبري وصابري يوم يأتيكِ خبر استشهادي، يوم تريني محمولاً والناس من حولي تبكي، حينها زفيني لقبري واعجني من ترابه مسبحةً تعلقيها فوق سريركِ فتشميها كلما اشتقتي لي، وأبكي لفقدي ولكن لا تجزعي فصبركِ الجميل يعني خلودي وبقائي، فبأنفاسكِ تتعطر روحي التي تحلق كل حينٍ لتصلي قرب سجادتكِ معكِ في كل فريضة، وإعلمي أني حيٌ لن أموت أنتظر يوم لقائنا الأبدي، هنا بالفردوس الأعلي حيث لا حسد ولا لغو ولا أحقاد، هنا حيث انتظركِ بجانبي لأخدمك مجدداً للأبد يا ملاكي، فما قدمت روحي إلا من أجل الحرية، من أجل الكرامة التي ربيتِني عليها، قدمت روحي للوطن الغالي، قدمتها للبحرين الحبيبة، قدمتها .. لعينيكِ أمي.

http://t.co/fggJWqf

ليث البحرين
٢١-٣-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق