آمنت بالخواجة


والدي عبد الهادي الخواجة...
أعتذر لك من أعماق قلبي، أعتذر لتقصيري وضعف إرادتي وقلة حيلتي، تركتك وحيداً بين الذئاب الذين خططوا إما لإغتصابك أو أن تقوم بتسجيل إعتذارك للساقط حمد عن مواقفك التاريخية في ميدان الشهداء، فرفضت ذلك فعذبوك ومن ملابسك جردوك وللإغتصاب هيئوك فما كنت إلا ليثاً شهماً بطلاً تُحطم رأسك وفكك رافضاً للإعتذار ومانعاً للإغتصاب فأثبتَّ لي وللدنيا بأسرها أنك أشرف الشرفاء وأعظم الرموز.

والدي عبد الهادي الخواجة...
حدثني كيف تحملت تحطيم عظام الفك والرقبة، أخبرني عن آلامك وأنت لا تستطيع المضغ ولا الشرب ولا الجلوس من آثار تعذيبك وتكسير عظامك وتهشيم فكك، أوَ ما عالجوك؟ أوَ ما خدروك وهم يقومون بتخييط جراحك كل مرة؟ بلى، لقد علمت إنهم عالجوك بلا تخدير، فكيف تحملت هذا البلاء العظيم؟

والدي عبد الهادي الخواجة...
عن أي شئ أتحدث عنك وعن أي آية من آيات روعتك وانسانيتك الغراء أنشد، لم أنسَ دفاعك الانساني المستميت عن السلفيين في سجن غوانتانامو السئ الصيت ووقفتك المشرفة من أجل حريتهم لإيمانك الصادق بمقولة أمير المومنين علي عليه السلام: الناس صنفان، إما أخٌ لك بالدين أو نظيرٌ لك بالخلق. وما دفاع عبيد الوسمي السلفي الكويتي المشهور عنك إلا صك عرفان بجميلك.

والدي عبد الهادي الخواجة...
تشتاق لك ميادين البحرين بسواحلها المنهوبة وأراضيها المسروقة وحرماتها المنتهكة، كيف لا وأنت فارسها الهمام وعلمها الضرغام وقائد الكرامة قبل ثورة ١٤ فبراير، حيث لم يكن معك إلا بضع نفرٍ قليليون لا يتجاوزون المئة، كنت تقودهم ولا تبالي بالعدد فما تريده هو إرضاء الله وإيصال رسالتك العظيمة لكل البشرية وكان لك ما أردته من تنوير لفكر الكثيرين وزرع بذرة الثورة فكنت عميد المطالبين بالملكية الدستورية وتنحية خليفة وحكومته ويومها إستهزأ بك الكثيرون ووصفوك جهاراً نهاراً بنعت الجنون ولكنهم اليوم بعد انطلاق الثورة يطالبون بما طالبت به أنت وناضلت من أجله بروحك ودمك ليقطفوا ثمار جهودك العظيمة بلا تضحية أو عناء يذكر.

والدي عبد الهادي الخواجة...
فكرك الراقي مضغته أعماق روحي وسكن جوانب نفسي، أرى فيك الأمل والنصر والعزيمة والتحدي بصورةٍ يعجز التاريخ إلا أن يخر ساجداً بين قدميك النحيلتين لينهل من فيض عطائك النزر اليسير الذي قد يبيض به صفاحته السوداء. وما فكرة تقرير المصير إلا من بعض نورك الذي ألتف حولها الشباب ليكون شعارنا العقلائي المحق: الشعب يريد تقرير المصير.

والدي عبد الهادي الخواجة...
يا بحر الجود، يا وجه القمر، يا عطية الله لشعب البحرين وللعالم أجمع، أفهمني نعم أفهمني، قل لي بصوتٍ عالٍ ماذا كان يجول في فؤادك الحنون حين قررت الإضراب عن الطعام، هل يمكنك أن تشرح لي كيف تحملت الجوع، كيف صمدت أمعائك الخالية أكثر من ٥٥ يوماً بلا غذاء يطفي جمراتها ولهيب بلائها، أي ربي كيف لهذا الرجل الضعيف البنية كل هذه الإرادة؟ إلهي لقد حار فكري وطار عقلي محلقاً في أفق الهوى اللا متناهي يرجو أن يعرف سر صمود والدي وقدوتي الخواجة.

والدي عبد الهادي الخواجة...
لقد قهرت المستحيل، لقد قهرت القيود، لقد قهرت رغبات نفسك بصلابة ايمانك، فأنت العباس في بسالته وعابس في عشقه والأكبر في بطولته والقاسم في جرأته والحسين في مثاليته ورحمته، كيف سأحتمل فراقك كيف؟ كيف ستمر الثواني علي من دون حسك ومن دون صوتك ومن دون عبق روحك الطاهره؟.

والدي عبد الهادي الخواجة...
خذلناك، خذلناك إنا مع سبق الإصرار والترصد خذلناك، وللموت سلمانك وبلا ثمنٍ للطاغوت قد بعناك، نريد لك الحياة ولكننا نعمل كي تموت سريعاً، فوجودك تعريةٌ لنا، فأنت الرجولة وسواك العدم، لقد فضحتنا أمام أنفسنا وعريتنا وأسقطت كل أوراق التوت عن عوراتنا فبانت من تحتها قلوبنا المسودة من ثقل الذنوب والبعد عن الطريق القويم، لقد كشفت لنا بالدليل القاطع ما نضمره من حبٍ للذات والجاه والشهرة فرأينا أنفسنا بضع حصياتٍ في سفح جبل هامتك العالية المليئة بالعزة والمنعة والرفعة والكرامة.

والدي عبد الهادي الخواجة...
اذهب إلى عالم الملكوت الأعلى حيث المحبة الأرقى ولا جدال أو فسوق أو حسد، ارحل فهذه الدنيا الفانية المليئة بأشباه الرجال والدجالين باسم الوطنية والدين وحاملي الشعارات الزائفة لا تستحقها فأنت أنقى من أن تبقى فيها، فدنياك سجنٌ مؤلمٌ لا راحة فيها لروحك الطاهره، وإعلم أن من ربيتهم كبناتك اللبؤات زينب ومريم ومعهم الأسود شباب الثورة ماضون على دربك القويم، فنهج الحق هو نهج الصادقين وأنت عنوان الصدق والأمانة والثبات والطهارة.

يا أبا زينب، أبلغ الشهداء سلام المحبين، فهم السابقون ونحن اللاحقون، أبلغهم أننا للثأر متوثبون وللمقابر قريباً عامرون، وقر عيناً بجميل ما صنعت في دنياك وعذوبة ما سترى في آخرتك، طبت حياً وميتاً، طبت ثائراً مخلداً ورمزاً حطم جبروت أمريكا وعملائها بنقاء سريرته، طبت جيفارا العرب بثباتك وغاندي القرن الحادي والعشرين بانسانيتك، فقد آمنا بخطك الواضح في مواجهة الظلمة ومقارعة القتلة، آمنا بك قائداً ملهماً ومَعلماً لا تدنيس فيه ولا عبودية إلا للرب الواحد القهار، فسلامٌ عليك يوم ولدت، ويوم تموت وتنتقل روحك للرفيق الأعلى، ويوم تبعث حياً مع الشهداء والصديقين وحسبك رب العالمين وهو نعم الوكيل، فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة.

ليث البحرين
في رثاء عبد الهادي الخواجة
٥-٤-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق