لا تبكي يا عزرائيل

عزرائيل، من ملائكة الله الشداد وعبيده المقربين، من أشرف الكائنات وأرقى المجدين في خدمة خالقه، المخلصين في طاعته وعبادته، وهو الذي أوكل له الرب جل وعلا مهمة حصد أرواح البشر وقطفها حين تحين ساعتها وهو مصداق قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ).

فالمليارات من البشر قد قطف أعمارهم عزرائيل، فمنهم من مات غريقاً ومنهم المحترق، منهم المريض ومنهم الجائع الغريب، ومنهم من مات تحت التعذيب في دهاليز السجون، كلهم حصدهم وسيحصد أرواحنا جميعاً عاجلاً أم آجلاً فهو الموكل بهذه المهمة الذي لا يتوانى عن القيام بواجبه رغم مشاق عمله العظيم، فخروج الروح من الجسد هو أصعب أمر يمر به الانسان فكيف بملك الموت وهو من حصد أرواح الأجنة في أرحام أمهاتهم، وكم من موءودة دفنت تحت الثرى ظلماً وعدواناً أخذ روحها ملك الموت وهو في كظمٍ عظيم، وكم من رجلٍ وإمرأة قد حصد أرواحهم وهو يبكي على حالتهم الكارثية من جوعهم وعطشهم أو التعذيب الوحشي الرهيب الذي تعرضوا له وقضوا بسببه ببلائهم العظيم.

ما حالك يا عزرائيل وأنت تحصد روح صلاح آل موسى، أبكيت عليه كما بكيت على شهداء كربلاء وأنت تنظر أجسادهم قد أثخنتها الجراح وأدمتها ضربات السيف ورصاصات السلاح.

ما حالك يا عزرائيل وأنت تقطف روح صلاح ولديك علم اليقين بإنتظار زوجته وعياله الخمسة لعودته للمنزل، كما هي عادته بعد كل ليلة محتضناً لهم ومواسياً لأيتام شقيقه الذين كفلهم، أتدري أن زوجته بحثت عنه من بيتٍ إلى بيت، وفي جوفها نار كتمتها بصبرها، تسأل من يفتح الباب لها صباح اليوم تالي لحصدك روح حبيبها، تسألهم بصوتٍ منكسر وقلبٍ منفطر "شفتوا صلاح؟ تدرون وينه صلاح؟ طلع البارحة وما رجع". لقد ذكرتنا زوجة صلاح بموقف عقيلة الطالبيين وهي تبحث عن جسد أخيها الحسين ولسان حالها يتمتم دماً:
أدور عليك يا ابن أمي .. ولا واحد يدليني
أناديك بضعيف الصوت .. يا مظلوم حاجيني

ما حالك يا عزرائيل وأنت تأخذ روح صلاح، أبكيت عليه دماً وأنت ترمق جسده مبضعاً بالرصاص، رجلاه ويداه محطمة وأضلاعه مهشمة، رقبته مكسورة وجلد صدره محترق، فبماذا ذكرك جسد صلاح يا ملك الموت؟ أين طارت بك الذكريات في تلك السويعات الرهيبة؟.

رغم عدم مقدرتك على جواب أسألتي واستحالة ردك علي، لكني أعلم بما ذكرك به جسد شهيدنا صلاح يا عزرائيل، لقد عرفته أحاسيسي وتيقن به قلبي، لقد تذكرت جسد الحسين وهو مرضضاً بحوافر خيول بني أمية، لقد أوجعك مصاب صلاح فعاد بك للطفوف التي حصدت بها قمر بني هاشم وقد تناثر دماغه على كتفيه وأصيبت عينه وقطعت كلتا كفيه، لقد أبكاك صلاح يا ملك الموت الكريم فصوت قراءته للقرآن الكريم اقشعرت له ملائكة العرش العظيم.

هنيئاً للبحرين صلاحها، هنيئاً للشهيد ثباته وتضحياته، هنيئاً لصلاح دموع عزرائيل التي لا تتساقط إلا لكل فارسٍ حسينيٍ عظيم، وهنيئاً لصلاح جنة الخلد حيث سيشرب بكف المرتضى من حوض الكوثر شربة لن يظمأ بعدها أبدا.

ليث البحرين
في رثاء الشهيد القائد صلاح آل موسى
٢٧-٤-٢٠١٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق