يوم الحشر


هو يومٌ بدأ على غير العادة، يومٌ سيظل في ذاكرة الأجيال، هو اليوم الذي ودع فيه الشعب ٤ من خيرة رجاله، ليكتب مع الله وعد الصدق المخضب بعبق الدماء الزاكية والأرواح الأبية الصامدة، يومٌ تعلمنا فيه كيف بالدم على الرصاص ننتصر، يومٌ لخص كل جراحاتنا وعذاباتنا منذ ما يقارب ٢٣٠ عاماً هو عمر الاحتلال الخليفي لأرض البحرين السليبة.

بدأ اليوم بخبر استشهاد الحاج سعيد السكري من سكنة منطقة اسكان عالي، وهو نعيمي الأصل بحراني الجذور، وقد استشهد متأثراً بغازاتهم السامة القاتلة التي عبأت الأجواء في منزل وحي الشهيد في ظل هجوم المرتزقة والبلطجية على القرية.

لقد لخص الحاج سعيد كل عذابات المروعين في بيوتهم، عشرات الشهداء قضوا بسبب هذه الغازات، وهناك آثار صحية وبيئية لن تذهب إلا بعد عشرات السنين، فما تقوم به هذه العائلة هو انتقام أبدي من ثوار البحرين ليتوارثوا العلل الصحية والبيئية جيلاً بعد جيل، هكذا كان سعيد ممثلاً لكل شهيد ومصاب ومختنق ومريض حالي أو مستقبلي بسبب استخدام  غازات الإبادة الجماعية، فهنيئاً للحاج السكري مسك ختامه.

وتزامن مع إعلان الشهيد سعيد السكري إعلان شهادة أحد رموز الثورة الشبابية، ومثال حقيقي صادق على التفاني في سبيل الله والدين والوطن والعرض، إنه البطل القائد عباس الشيخ، هذا البطل الذي ما فتئ يجاهد بالساحات قرية فمدينة بكل رجولة، وله حضوره في ميدان الشهداء واعتصامات تقرير المصير، وساهم في الكثير الكثير من فعاليات الثورة بمختلف المناطق لا سيما مسقط رأسه الديه الأبية، رمز الصمود.

عباس الشيخ لم يكن شخصاً عادياً، فمن في عمره يكون تفكيره منصباً على حياته ومستقبله، يبحث عن وظيفة مرموقة وزوجة صالحة وهمومه الدنيوية الذاتية تجعله بعيداً عن آلام الآخرين، ولكنه عباس، وهل عباس الشيخ إلا شبل من عباس الحسين، لقد طلق الدنيا ثلاثاً ورفض الزواج مسلماً روحه لله بكل طمأنينة، أخته حاولت وأهله جاهدوا معه ليتزوج ولكنه رفض وقد عُرِف السبب، فمن رضي الله عنه تكون عروسه حور عين جنانه، وكان عباس يقولها للجميع بلا خوف أو تردد "أنا الشهيد التالي".

يا الله يا الله، أي شهيد أنت يا عباس، أي نهاية نهايتك يا عزيز قلوب ثوار البحرين، لم يكتب لك الله الموت السريع، عانيت الجراحات غصة غصة، عولجت مرات كثيرة بلا تخدير وبقلة الدواء وشح الكادر الطبي، قاسيت جراحات واختناقات لا حصر لها، حتى تغلغل المرض الخبيث لجسدك النحيل، والعجيب يا عباس طوال فترة علاجك كانت الابتسامة تعلو محياك الجميل، "صمووود" تهمسها في أذن محبيك لتقول لهم لا تتراجعوا عن مطالبكم فالحق منصورٌ ولو تعفر تحت حوافر الخيول، وقد شاء الله أن تمرض وتعاني عذابات المرض مع آلام الجراحات لتخرج من هذه الدنيا الفانية نقياً عذباً صافياً لا تشوبك شائبة، فطوبى للرحم الطاهر الذي أنجبك.

عباس الشيخ، أمير الشهداء، هو الشاهد على ما يحدث للجرحى والمصابين من عذابات لا يمكن وصفها مطلقاً، هي آلام العلاج بدون تخدير، وعلاج الإصابات بأدوية لا تناسب كارثيتها، هي آلام المصابين في عيونهم ورؤوسهم، الفاقدين لبصرهم أو إحدى حواسهم، المحترقة جلودهم أو المكسرة أضلاعهم. كل ذلك وأكثر لخصه عباس الشيخ في إصاباته وشهادته، فهنيئاً للجنة به وبروحه الطاهره.

وبعد جرح الشهيدين أصاب قلبنا سهمهم المسموم ذي ثلاث شعب فأدمانا، منتظر فخر اليتيم الذي فقد والديه، الشاب الذي اصطدم المرتزقة بسيارته في سوق جدحفص وما اكتفوا بذلك، أنزلوه منها وهو مصاب، سحلوه بالشارع وداروا حوله، هذا يركله وذاك يبصق عليه وآخر يشتمه والرابع بالبندقية يضربه على رأسه، وما كفاهم بل زادوا وادخلوه بوحشية لمركباتهم، قيدوه وهو بالكاد يتنفس.

ولكي يكملوا فصول مقتله، ما ذهبوا به للمشفى ليتداركوا وضعه الحرج، عالجوه وياليتهم ما فعلوا، عالجوه نعم عالجوه، بالسياط والكهرباء، أذاقوه علقم حقدهم وسموم تربيتهم في دهاليز السجون، ليكون منتظر فخر شهيد السجون الذي يقولها علناً للعالم، نظام آل خليفة لا يمكن اصلاحه ولو نزل ملك من السماء لن يصلحهم.

كتب منتظر المظلوم بما جرى له من تعذيب وحشي رواية جرائم النظام في غياهب السجون، فكم من عرض قد انتهك، وكم إمرأة قد اغتصبت، وكم رجل قد انتهك شرفه وهدد بعرضه، كيف عذبوا الرموز وحفروا أجسادهم بالمثقاب الكهربائي، كيف أحرقوا ابنائنا بالماء المغلي ومكواة الملابس، كم ظفر قد اقتلعوه وضرس قد كسروه. نم قرير العين يا منتظر فقد فضحت النظام بأشلائك المتورمة، ولنا ولك موعد مع المنتظر ليثأر لجراحاتك الدامية.

وما كادت تغفو العيون الباكية من أجل البدور الثلاثة حتى لحقهم نجم مجرتهم، شهيد الدفاع عن الأعراض، البطل محمد ابراهيم يعقوب الذي رغم صغر سنه كان نجمهم، خلده الله بالفيديو الذي قطعنا وآلمنا وهيج أحزاننا وذكرنا بكل عذابات الشعب المظلوم، نزل من سيارته ليشتت شمل المرتزقة الذين كانوا يتقصدون الحرائر لدهسهم، ركض بين أجيابهم ليلاحقوه كما يلاحق الثور الهائج فريسته، لم يحتملوا طهارة روحه فسحقوه بحوافر حقدٍ لم يعرف للانسانية والاسلام من طريق، دهسوه، هشموه، قام من حرارة الألم وشدة الضربة وحلاوة الروح وسقط أخرى، نجح في هدفه فما مسوا عرض بنات بلده وهذا هون عليه مصابه.

وبعد الدهس تجمعوا كالذباب على العسل المصفى، بقوا يضربونه بوحشية مفرطة حتى كادت روحه تزهق، أوصلوه لمستشفى السلمانية، كان شاحب اللون منهك ويتألم كثيراً، وبسبب ما فعله النظام من فصل كفاءات الطاقم الطبي الوطني على أساس طائفي فقد استشهد محمد متأثراً بجراحاته. وقد لخصت إحدى الطبيبات الشريفات المناضلات ما جرى للشهيد من قتل متعمد بسبب الاهمال https://twitter.com/bahraindoctor/status/162522533667676160

لله درك يا محمد، لله درك من شهيد قدم دمائه دون عرضه ودينه ووطنه، فدمائك اختصرت مآسي الدهس واستهداف المواطنين بمركبات "أجياب" قوات الشغب الذين جنسهم النظام من مختلف الآفاق لذبح الشعب وكسر إرادته، فأضلاعك يا محمد عزفت اوركسترا الجراحات الوطنية الكبيرة بفصل آلاف الكفاءات الشيعية على أساس طائفي لتجويع الأحرار وتركيعهم. هنيئاً لك يا محمد فقد جمعت الفخر والكرامة والمجد الأبدي بكل مجامعهم وستبقى اسماً خالداً في تاريخ البحرين.

ما نستلهمه من الشهداء الأربعة الذين عرجوا لربهم في خلال ١٦ ساعة فقط، إنهم ما قدموا حياتهم من أجل اصلاح ما لا يمكن اصلاحه، فقد ماتوا خنقاً وتعذيباً ودهساً وسماً بالغازات والرصاص، فكيف يصلح نظام لا يعترف بمواطنة اكثر من نصف شعبه ويجنس شذاذ الآفاق ليقوم بتغيير التركيبة الديموغرافية لشعب البحرين.

شهداء اليوم الأسود، يوم ٢٥-١-٢٠١٢ ينادونكم، يستصرخون ضمائركم ألا تبيعوا دماءهم  بحوار القتلة، لا تلطخوا أياديكم الطاهره بمصافحة المجرمين، فالثورة موقف والمصافحة خيانة.

اجعلوا كل يوم من أيامكم بعد هذا اليوم كيوم القيامة في عقاب المرتزقة وأسيادهم، تصبون به غضب الله وغيرة المؤمنين حمماً بركانية تحرق الظالمين ومرتزقتهم أجمعين، هذا يومكم فلا تتنازلوا مهما كلف الأمر، بوركت أرواحكم، سلمت قلوبكم، عاشت قبضاتكم، بكم ننتصر، فهذا يومكم
"يوم الحشر".

هذا يوم الحشر فقم لملم عظمك واجمع لحمك وأعد سلاحاً لتقاتل

هذا يوم الحشر تعال اصنع بيديك الأهوال
غادر قبرك واحمل قهرك وأعد سلاحاً لتقاتل .. لتقاتل

http://t.co/nRNNuxe

ليث البحرين
٢٦-١-٢٠١١

غيابة اليم..!


رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدين له فأخبر بذلك والده، فقال له أكتم ما رأيت عن أخوتك، فكتمها عن أهله وأشقائه، ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يلقوه في غيابة الجب، تركوه هناك ليلتقطه بعض السيارة وكان ثمنه بخساً جداً دراهم معدودات.

إنه نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، حيث دارت به الدنيا من عزة ودلال والده يعقوب، إلى عتمة البئر، فالأسر، ليباع كعبدٍ لعزيز مصر، ولينتهي به المطاف بمنصب أمين الخزانة وراعي محاصيل أهل مصر، فكان وما زال مضرب الأمثال والدليل الصادق على قدرة الله تعالى، فسبحان مغير الأحوال من حالٍ إلى حال.

هذه حال يوسف الصديق الذي أُلقي في بئر عميق، فمال حال يوسف البحرين الذي أُلقي على شاطئ البحر، ما حاله وهو جثة هامدة بلا أنفاس، ما حاله وهو وحيداً ولم يشتريه المارة حتى بأبخس الأثمان.

يوسف أيها الشهيد أفتنا بما جرى لك، فأخوة يوسف النبي هم من ألقوه بالجب فمن رماك على ساحل جزر أمواج؟ أخوة يوسف هم من تركوه هناك وكان سالماً معافى فمن عذبك وأدماك وأنت في ريعان شبابك؟

لماذا اختطفوك؟ أجبني لماذا قتلوك؟ لماذا أنت يا شهيد؟ لماذا عذبوك للموت السعيد؟ أجب قلبي يا يوسف البحرين فما عاد يحتمل هذا الفراق الأليم؟

يوسف الخير، أراك مقيداً لكرسي التعذيب، تتلقى الضربات تتراها اللكمات وما بين هذي وذي تنهال عليك الإهانات، بقيت هادئاً رغم ألمك فلم يحتملوا هذا الهدوء، لم يكن هدوء العاجز ولا سكون الخائف، كان هدوء الواثق بحكمة ربه الصابر على جراحاته وآهاته، فازدادوا  بتنكيلهم ووحشيتهم حتى أزهقوا روحك الطاهرة في غياهب السجون.

لم يعرفوا بعد قتلك كيف يخفوا جريمتهم، فرموك على الشاطئ لعله يغسل بعض عارهم ويمسح ولو القليل من شنار نظامهم، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فكيف تكون غريقاً وجسمك وثيابك لم يمسسهما الماء، بل كيف مت بالبحر غرقاً وجسمك يحكي رواية التعذيب بأبشع فصولها، لعلهم تخيلوا البحر مارداً متوحشاً جاء من الإغريق مقتنصاً روحك دون غيرك ومختاراً لجزر أمواج متعمداً ترك جثمانك الطاهر عند سواحلها بلا آثار بلل أو غرق.

ولي وقفةٌ معك يا بحر الخليج، أين انسانيتك وأين عذب روحك، أيبقى يوسف على شاطئك ولا تحرك ساكناً لإنقاذه؟ أم تراه لفظ أنفاسه قبل أن تصل إليه؟ لمَ لم تغسله؟ لماذا لم تكفنه؟ ولماذا لم ترجعه سالماً كما عاد يوسف الصديق معافاً ليعقوبه؟

وليوسف الشهيد مظلومية أخرى، فيعقوب عاد يوسفه له وقر به عيناً، ولكن يوسفنا عاد جثة هامدة لأهله، يعقوب إبيضت عيناه من فقد يوسف وأخاه وهو يعلم أنهما بخيرٍ وعافية، بينما والدا يوسفنا فرحا وابتسما حين علما باسشتهاد فلذة كبدهما، فأبوه لم تدمع عينه حزناً على يوسفه، وأمه تلقت التهاني وتريد زفاف ولدها للحده وحور عينه بدل تلقي التعازي والدموع.

لله در البحرين كم أنجبت من أساطير، فلدينا الاكبر والقاسم، لدينا من هشموا ضلعه وكسروا رأسه، لدينا من أسقطوا جنينها أو قتلوه رضيعاً، ولدينا يوسفنا الذي ألقاه قاتلوه على شاطئ البحر ليواسي يوسف الصديق في بئره، فكانت "غيابة اليم" تعانق "غيابة الجب" لتعزف لحن الخلود في جنان الرب الرحيم.

فسلامٌ على يوسف الشهيد يوم ولد، ويوم عذب حتى الموت في غياهب السجون، ويوم أُلقي فوق ساحل البحر جثةً دامية، ويوم يبعث حياً خالداً ضاحكاً مستبشراً بنعيم ربه.

ليث البحرين
١٨-١-٢٠١٢ 

فاجعة الرحيل


والدي .. لا تمر من عمري لحظة إلا وجرحك الدامي يلهب حشاشات فؤادي، لا تمر ليلة إلا وعيني تدمع حتى يغشاها الألم وأنا انتطر قدومك لتغطيني بفراشي بعد نومي. هل حقاً رحلت عني وتركتني وحيدةً في مهب رياح فرحي وكربتي؟!

والدي .. من سيوقظني صباح كل يوم بابتسامته بعدك يا أبتي؟ من سيتناول طعامه معي ويوصلني لمدرستي؟ من سيذاكر معي ويسهر على دراستي ومستقبلي؟ من سيرشدني للطريق الصائب بعد عينيك يا قرة عيني؟

والدي .. بأي عينٍ مكسورةٍ سأذهب لليوم المفتوح في مدرستي؟ تسألني معلمتي فماذا عساي أجيبها وولي أمري موسدٌ تحت أطباق الثرى. أبتاه، أي قلبٍ قاسٍ هو قلبك، ألم تذكر محبوبتك الصغيرة وأنت راحلٌ عن هذه الدنيا؟ كيف نسيت لطفك معي؟ كيف أهملتني؟ أتذكر كيف كنا نلعب معاً؟ أتذكر حين سافرنا معاً؟!

والدي .. قبيل رحيلك أسررتها لي "أريدكِ أن ترفعي رأسي بيوم تخرجكِ بمعدلٍ ممتازٍ من جامعتكِ"، فلِمَ لم تنتظر وتأجل رحيلك لبعد يوم تخرجي؟ أسئمت مني أم قد خيبت أملك بي؟ فاعذرني إن لم أكن يوماً في مستوى طموحك يا أغلى من رباني وعلمني.

والدي .. كل شابة تحلم بيوم زواجها لترى نظرة السرور والفرح بعين والديها، لتتنعم بحياتها برضاهما وحضورهما وتواجدهما معها، فكيف بي يوم زواجي، أأضع صورتك على مسرحي لتشاركني فرحة عمري؟ أم أزور قبرك وأوسد خدي على شاهدك لعلي أحظى بقليلٍ من دفء صدرك الحنون الذي هجرني؟.

والدي .. ذهبت للنعيم وتكرتنا بالجحيم، هذي أمي لا يفارق دمعها محياها الحزين، هذا أخي الذي ما فارق الضحك ثغره بات يبكيك بصمته الدفين، هذا قرآنك إشتاق لصوتك الشجي المفعم بالايمان واليقين، هذه سجادتك تهفو لبريق عينيك الحالمتين، هذه مسبحتك ترنو لمعزوفة تمجيد الرب الكريم من شفتيك الباسمتين. ولكن هيهات .. لا تعلم السجادة والمسبحة ومعهما الكتاب العظيم، أنك راحل ولن تعود لهم أجمعين.

والدي .. رغم حرارة الفقد ووجع البعد الأبدي ولكن ما يفرحني أنك بخلود النعيم عند ربٍ رحيم، وما يصبرني هي مصيبة سبط سيد المرسلين، فلقد شيعك الشعب وحضر فاتحتك وكسارها وقاتل من أجل دمك فمن شيع الحسين، وجسمك الطاهر أكرمناه بتغسيله وتكفينه ودفنه فمن دفن الحسين، لهف قلبي الموجوع كيف صبرت رقية على بعد أبيها، وكيف أفجعوها بإلقائهم رأسه في حجرها وماتت وهي تقبل فمه الذي كسرت أسنانه وشقت شفتاه وضرب بالعمود عليه.

فسلامٌ عليك يا والدي، سلامٌ على روحك وبدنك ودمك، سلامٌ على ما قدمته للوطن والدين، وسلامٌ على أقرانك من الشهداء والصالحين،
ولقائنا يوم الحشر ليقتص الله من قاتليك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد( ص) والموعد القيامة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ابنتك المحبة لك دائماً
"ابنة الشهيد"

ليث البحرين
١٢-١-٢٠١٢ 

سلمان بن حمد .. والحل المرتقب


ما زال النظام وأقطابه يراهنون على اسقاط الثورة من الداخل، وهناك أفكار كثيرة تراود سلمان بن حمد حيث يخطط للثورة المضادة التي سيقودها لقتل وإنهاء الثورة، ولكن قبل الخوض فيها دعونا نحدد القوى الفاعلة على الساحة البحرانية:
١- النظام: وهو المتمثل بالعائلة الحاكمة وتفرعاتها من الملك وولي عهده والحكومة بكل أجهزتها العسكرية والأمنية والمالية. والمتحكم بالنظام طرفان أحدهما الحرس القديم المتمثل بخليفة بن سلمان والآخر العقلية السياسية ذات النمطية الأمريكية ويقودها سلمان بن حمد.
٢- الموالاة "تجمع الوحدة الوطنية وما شابهه": تتميز هذه المعارضة بحكوميتها فهي تأتمر بأحد أجنحة النظام وتنتهي بنواهيه، وقد الكان الفاعل بها هو خليفة ولكن تغيرت الأمور تدريجياً ليتحكم بها سلمان بن حمد من وراء الستار.
٣- التكفيريين: ويقودهم محمد خالد ومن سار في ركابه ولهم ولاء مطلق لخليفة بن سلمان وحلمهم القضاء على الشيعة بالبحرين سياسياً ومذهبياً. هؤلاء من تسيدوا الساحة فترة السلامة الوطنية ولكنهم بسبب تطرفهم وفشل الحل الأمني مع المعارضة تخلت عنهم جماهيرهم ولم يتبقَ منهم إلا المئات فقط.
٤- الجمعيات السياسية المعارضة: وتقودها الوفاق ذات أكبر شعبية جماهيرية بالبحرين وهم من أطلقوا وثيقة المنامة التي تخلت عنها جمعية المنبر الديموقراطي كما تخلت عن التجمعات وأصبحت أقرب للمعارضة الحكومية. تتميز الجمعيات بجماهيريتها ومطالبها بملكية دستورية تبقى فيها العائلة المالكة ويكون الشعب مصدر السلطات.
٥- شباب ثورة ١٤ فبراير: وقيادتهم هي إئتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير، ويتميزون بفعاليات سرية وعلنية تطالب بإسقاط النظام ولهم قاعدة كبيرة بفئة الشباب من الجنسين وهم القوة الفاعلة على الأرض.

بعد شرح مبسط للقوى الخمس المؤثرة بالشارع، نبدأ بطرح أفكار سلمان بن حمد المتعقلة بالقضاء على ثورة ١٤ فبراير خصوصاً في ظل فشل الحل الأمني الذي قاده خليفة بن سلمان، وفي ما يلي سرد هذه الرؤى:
١- استجلاب طاقات أمنية وسياسية أجنبية سراً وعلناً للقضاء على الثورة، وقد درس هؤلاء ثورة ١٤ فبراير وما قبلها وما بعدها وقد أعطوا الكثير من التوصيات وأهمها:
أ) ضرب الإئتلاف من خلال اعتقال ومطاردة الشباب  الفاعلين على الأرض في القرى والبلدات المختلفة وخصوصاً بقرى الصمود والمقاومة ويتم كل هذا بتكثيف العمل الاستخباراتي واستخدام طرق تعذيب مبتكرة لا تبقي آثار على أجسام المعتقلين ذات طابع نفسي رهيب ومداهمة منازل المشتبه فيهم بإستمرار. وهذا ما حدث في الدير ونويدرات وعالي وسيتكرر بوتيرة متصاعدة حتى الامساك بغالبية الشباب القياديين على الأرض وفي الإعلام بحيث يتم تفريغ الشارع من الكوادر الميدانية والإعلامية المؤثرة.
ب) فتح ميدان الشهداء بمسماه الجديد "تقاطع الفاروق" أثناء وبعد توجيه الضربات لكوادر المقاومة بحيث تكون الضربة مزدوجة؛ عملياً بالاعتقالات ونفسياً بفتح ميدان الشهداء.
ج) السماح بالاعتصامات الاسبوعية للجمعيات ضمن الحدود المتعارف عليها، أي بعيداً عن العاصمة وبعيداً عن المناطق الحساسة كخليج توبلي، والغرض من السماح لهم ليس محبةً بالجمعيات ولكن لهدفين أولهما اسكات الاعلام العالمي والمنظمات الدولية بحجة السماح بحرية التعبير وثانياً لترك بصيص نور في نهاية النفق المظلم للشعب وهو نور الأمل بحل سياسي يوقف نزيف الدم مما يدعو غالبية المعارضين للتمسك بآراء واطروحات الجمعيات للخروج من المحنة، ويكون المخرج متمثلاً بصلح الجمعيات وسلمان بن حمد كما سنبين لاحقاً.
د) تحجيم عمل الحقوقيين وعلى رأسهم نبيل رجب وزينب الخواجة وسيد يوسف المحافظة ومحمد المسقطي من خلال اعتقالهم او ضربهم او التشنيع عليهم او تركهم يعملون بدون قاعدتهم الشعبية المتزايدة. والنظام حالياً يسعى لتسقيط نبيل وزينب تحديداً من خلال حياكة مؤامرات معينة قد تصل للتخلص منهما بطرق مبهمة من أجل تكميم أفواه المؤيدين.
ه) الاستمرار بسياسة التجنيس الممنهج حيث إن أعداد المجنسين خلال آخر ٦ شهور قد فاقت عديد المجنسين خلال ١٠ سنوات.

٢- بعد القيام بتوصيات المستشارين الأجانب بالجانبين الامني والسياسي يقوم النظام بأمور ترغيبية كبيرة وتدريجية لحلحة الامور وتخفيف حدة معارضة الاكثرية له لدرجة كبيرة وتوفير مناخ يتقبل سلمان بن حمد منقذاً للوطن:
أ) ارجاع غالبية المفصولين قبل نهاية شهر مارس لوظائفهم مع التدوير والذل والقبول بشروط عودة مهينة وهذا ما يحصل على أرض الواقع.
ب) الإفراج عن مئات المحكومين بعد أخذ تعهدات مغلظة عليهم وتواقيع لعدم المشاركة بأي نشاطات مجدداً.
ج) الإفراج عن جميع الحرائر بالسجون.
د) الإبقاء على الرموز وكوادر الثورة بالسجون للمرحلة الثالثة من الحل السياسي.
ه) السماح بقناة معارضة تملكها الوفاق تروج لملكية دستورية على حسب ما ذكر بوثيقة المنامة. والقناة لها سلبياتها على النظام ولكن لها ايجابيات كبرى بنظره أهمها تبنيها لبقاء العائلة الحاكمة ومخاطبتها لحمد بصيغة جلالة الملك المكرسة لحكمه وتحويل المفهوم الرئيسي لما حصل منذ ١٤ فبراير من ثورة لأزمة سياسية محتاجة لحل سياسي.
و) تغير الخطاب الاعلامي الرسمي واستقبال الكثير من حمائم الجمعيات في مقابلات تلفزيون البحرين والصحف الرسمية وذلك تدريجياً لتقبل الموالاة والمعارضة فكرة الحوار الجاد. وسيتم تجاهل صقور الجمعيات والحقوقيين.

٣- الخطوة الثالثة من حل سلمان بن حمد تكمن في فتح خط علني رسمي منه شخصياً للشيخ عيسى قاسم وكذلك بينه وبين جمعية الوفاق بالتحديد وتكون هناك خطوات تمهيدية مصحوبة مع هذه اللقاءات:
أ) البدأ بحوار تشترك فيه جل الجمعيات السياسية ومعها تجمع الوحدة الوطنية للوصول لحل وسطي يفضي لشبه ملكية دستورية.
ب) الافراج عن كل المعتقلين السياسيين فور الانتهاء من الحوار الجاد ما عدا الرموز والكوادر المهمين بحيث لا يكون عدد المعتقلين كبيراً.
ج) الحوار سيعطي برلمان كامل الصلاحيات ويوقف التجنيس ويدعو للتحقيق فيه وفي كل الانتهاكات ضد حقوق الانسان التي مارستها السلطة منذ ١٤ فبراير مركزاً على النقاط السبع التي طرحها سلمان بن حمد في مارس الماضي.
د) التعهد والبدأ ببناء كل المساجد المهدمة أو إيجاد بديل عنها بحيث يغلق هذا الملف نهائياً.
ه) ازاحة الحكومة الحالية اثناء او بعد الحوار والتخلص من الحرس القديم.
و) تحشيد الناس للتصويت على الاستفتاء بعد التوافق على مخرجات الحوار.

٤- غالباً سترفض الوفاق مخرجات الحوار لأنها لن توصل للملكية الدستورية، وإن حدث ذلك سيتم طرح الحل البديل وهو التصويت على مجلس تأسيسي وتشرف على الاستفتاء الامم المتحدة وسيشارك بالمجلس التأسيسي غالبية اطياف المعارضة وكل اطياف الموالاة وسيوصل لمجلس تأسيسي منقسم طائفياً ذو غالبية بسيطة للموالاة بسبب التجنيس السياسي القائم على قدم وساق بحيث تحدث غالبية سياسية غير ذات ارضية واقعية والفكرة تكمن بإظهار سلمان بطلاً لتعاطفه مع الغالبية الحقيقية المسحوقة ويتبنى علناً بعض الامور عكس المجلس التأسيسي ومنها اعطاء الشيعة حقوق ووظائف بكل الوزارات والمؤسسات وبذلك يكون الشمعة التي يلتف حولها المسحوقون.

ولكن مخطط الداهية سلمان وما يصبو إليه يقف أمامه ٥ عوائق:
١- القضاء والقدر: وهو ما لا يحسبه سلمان ولا دهاته في حساباتهم وكأنهم مخلدون، فموت أحد أعمدة النظام سيخلخله وسيحدث هزة كبيرة بالحكم، وبالمقابل موت أحد الرموز بالسجن لا سمح الله سيفجر الأوضاع بطريقة لا يمكن توقعها وستحدث ردة فعل تهز البحرين والمنطقة بأسرها وخصوصاً إن لا قدر الله حدث ذلك لأحد الأستاذين عبد الوهاب حسين أو حسن مشيمع. وكذلك إن اضطرب النظام السعودي المتهالك كحاكمه فإن النظام الخليفي سيهتز ارتدادياً بطريقة لا يعرف أحد نتائجها.
٢- خليفة بن سلمان: نفوذه وتوغله الذي امتد لأكثر من ٥٠ عاماً من التسلط والعلاقات بالداخل والخارج يعتبر عائقاً كبيراً، ولكن هذا النفوذ بدأ بالانحسار لصالح سلمان بن حمد الذي سحب البساط بخبث ودهاء من تحت رجليه، ولا أصدق على ذلك ما قاله خليفة للتكفيريين في البسيتين وردة فعل سلمان بن حمد بعدها وكيفية سيطرته على الأوضاع في المحرق من الفلتان في عاشوراء الماضي.
٣- السعودية: وهي اللاعب الرئيسي والداعم الاول لخليفة بن سلمان ورغم ذلك فهي ستتخلى عنه اذا ضمنت بقاء النظام الحالي بالبحرين خليفي الهوية وقوي بلا مشاكل داخلية.
٤- التكفيريون: وهؤلاء لا يمكن السيطرة الكلية عليهم فهم مشهورون بسفكهم للدماء وتعطشهم للبطش بمخالفيهم خصوصاً الشيعة لذلك قد يقومون بعمل طائش جداً غير محسوب يفجر الأوضاع بالبحرين وهذا أمر غير مستبعد مطلقاً.
٥- ارادة الشعب: وتتمثل بالائتلاف والجمعيات وصمود الاحرار في وجه الضغوطات التي تمارس ضدهم.

ويبقى الائتلاف هو القوة التي يعمل النظام بكل أجنحته ومعه الخبراء البريطانيون والأمريكيون لإضعافه وسحقه، فهم جميعاً لا يؤمنون بقدرة الباري وما يخفيه لهم ولكنهم مؤمنون ان الشعب لا يحبهم ولا يريدهم ولا يتكلم بهذا علناً إلا الائتلاف ومن سار في خطه لذلك ضرب هذا التيار لابد منه ولو اضطروا لاستخدام أبشع وسائل القمع وهذا ما حدث ويحدث للفعاليات التي يدعو لها أو يتبناها الإئتلاف فهي تسحق بوحشية كما حصل في احتلال شارع البديع ومجزرة الشاخورة ومحرقة السنابس وما شاكلهم من جرائم.

وبالمحصلة النهائية، فإن الثورة التي انطلقت ببركة أحرار الشعب واستمرت بعطاءات المخلصين المضحين تتعرض لأبشع وأسوأ مؤامرة محلية المضمون دولية الأبعاد، ويبقى لهذا الشعب رب العالمين داعماً ومسدداً، ويبقى لديه سلاحه الأقوم وهو الصبر والإلتفاف حول المعارضة عموماً والائتلاف خصوصاً، فبقاء جذوة الثورة حتى الصيف القادم سيسحق كل المؤامرات تحت أقدام المجاهدين وسينهي كل ما يحاك بالظلام ويجبر النظام على أحد أمرين أحلاهما مر: إما الخضوع والاستسلام للملكية الدستورية وهو محال واقعاً، وإما فرض حالة سلامة وطنية مجدداً وهو انتحار سياسي سيؤدي لإسقاط النظام بطريقة دراماتيكية هوليودية لم نعشها حتى في احتلال العراق ولا في اسقاط القذافي.

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}

ليث البحرين
٩-١-٢٠١٢

ومثلي لا يبايع مثله


قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف محنته مع معاوية ودهاته "عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه" (والله ما معاوية بأدهى منِّي، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس).

لهذا الحديث الكثير من الشجون والمدامع، فجراح علي من دهاء الأربعة وخبثهم التاريخي تدمي قلب محبيه، فهم سبب مقتل عثمان الذي علقوا قميصه الملطخ بالدم بعد ذلك ليقودوا الشاميين في حرب علي، وهم الذين حرضوا سراً وعلناً لخروج عائشة أم المؤمنين وأوصلوها لمعركة الجمل الظالمة، وهم من دخلوا حرباً قُتِل فيها الآلاف من حفظة القرآن الكريم في وقعة صفين وقتلوا فيها عمار بن ياسر الذي قال له سيد المرسلين "يا عمار تقتلك الفئة الباغية"، وهم من سببوا التحكيم المشهور الذي لولاه لتم القضاء عليهم وما سببوا الفتن والمجازر الكبرى ومنها مذبحة كربلاء، وبدهائهم زرعوا فرقة الخوارج المنشقين في جيش علي وكان ما كان من معاركة النهروان التي تقاتل بها الكوفيين ضد بعضهم البعض وانتهت بهزيمة ساحقة للخوارج.

كل هذه الجراحات والآلام كان بمقدور علي أن يتجنبها بكل يسر وهو صاحب اللسان الفصيح والعقل الراجح، وهو باب مدينة العلم التي لا يمكن الوصول إليها من دون معرفته وحكمته، وهو من قال متحدياً مستطيعاً سلوني قبل أن تفقدوني، وهل قالها غيرك يا أبا الحسن، فلماذا لم يهزم ذكاء علي مكر معاوية وأقرانه؟ لماذا كان خبثهم أكثر وقعاً وأمضى تأثيراً؟

وهنا تأتي إجابة أمير المؤمنين بمنهجيته المحمدية الأصيلة، فعلي لم يترك معاوية ولا عمال السوء ولو للحظة واحدة على الأمصار الاسلامية رغم علمه من مقدرة وتمكن معاوية من الشام التي حكمها لأكثر من ٢٠ عاماً حتى سماه أحد الخلفاء "كسرى العرب"، نعم علي يعلم علم اليقين أن معاوية ملك غير متوج وأن مجاراته أفضل سياسياً حتى يتمكن الخليفة الجديد من السيطرة على جل الأمصار ويتفرغ له بآخر الأمر، ولكن هيهات هيهات ما ذلك بفعل الصادقين وعلي زعيمهم الأروع وهو صوت العدالة الانسانية، فلقد سجل أروع وأنقى درس بصدق القيادة وميدانيتها حينما لم يجاري معاوية وأمر بعزله بلا تردد ليعلم الجميع أن لا مجاملة في الحق وتحقيقه مهما بلغت الصعاب والتكاليف.

ولكنا مع الأسف لم نصل بعد لروحك علي، لم نصل لصدق معدنك وحكمتك وأخلاقياتك، فراح بعضنا يماشي طاغية زمانه بحجة الحكمة والاطلاع وكبر السن والشهرة، فلقد قال قائلٌ منا "أطالب جلالة الملك حمد - حفظه الله - بإقالة رئيس وزرائه سمو الشيخ خليفة بن سلمان"، قالها وهو الحكيم الخبير بأمور الدين والدنيا.

كيف تأتي بعضنا هذه الجرأة ليتكلم بهذه الطريقة، كيف لا تغضب عوائل الشهداء والجرحى والمعتقلين بسبب هذه التصريحات الكارثية، فلقد غرستم في قلوب أبطال ثورتنا الذين يتلقون الرصاص بصدورهم العارية الكثير من الجراح، فمن حوار سري لم ينقطع طوال فترة اعتصامنا بميدان الشهداء فضح وقائعه تقرير بسيوني، لمصافحة القتلة بوفاة قريبة خليفة، للمشاركة المخجلة بحوار الطرشان، مواقفٌ أتعبت الشعب وآلمت الكثير من الأنفس الأبية.

فقبل أيام جلست مع أحد الأحرار الذين فقدوا عيونهم ومعه مصاب بالشوزن في ظهره وكلاهما بالعشرينات والثلاثينات من عمرهما، سألني بعينٍ دامعةٍ البطل الذي فقد إحدى عينيه: هل هذا هو الذي قدمنا دمائنا من أجله، هل بعد كل هذه الدماء والتضحيات والمجازر نرجع لنطالب حمد بالحوار وأن يقوم بتعديل الميزان؟ هل هذا هو العدل الذي نبحث عنه ونحن نقول للقاتل الأكبر والمسؤول عن كل الجرائم "جلالة الملك"؟

يرد عليه مصاب الشوزن، الذي لا يستطيع النوم على ظهره فينام غالباً على بطنه، ولا يتحمل البروده بسبب وجود عشرات الشظايا بظهره وقد عانى عذابات السجن لسنوات طوال، يجيب بلهجةٍ تهكميةٍ قاتلة: نحن لا نفهم بالسياسة والدين لذلك عذبونا ورمونا بالرصاص والشوزن، فمن يفهمها لا يصيبه على أسوأ التقادير إلا مسيلات الدموع .. قالها وابتسم ابتسامة المجروح للأبد الذي قدم للوطن ولإسقاط النظام كل ما يملك ولكنه بات متيقناً أن تضحياته وتضحيات أسرته ليست إلا رقماً سيوضع على طاولة الحوار مع القتلة.

عجزت عن الرد وإكمال الحديث معهما فقبلت يد أحدهما ورأس الاخر وقبيل ذهابي سألني مصاب الشوزن: هل يجوز مبايعة يزيد .. عذراً حمد!!
نعم لقد تقصد الخطأ لإيصال الرسالة التي أرادها والتي ما زالت بعقلي وقلبي حائرة تبحث عن إجابة.

فهل يجوز الولاء لحمد بعد الذي إقترفه، هل يجوز شرعاً مبايعة من هدم مساجد الله وأحرق المصاحف ومنع الشعائر كما فعل يزيد حين ضرب الكعبة بالمنجنيق. هل يجوز شرعاً وعرفاً ومنطقاً أن نرضا بحاكم روع جنوده ومرتزقته الناس الآمنين النائمين في ميدان عام مفتوح الساعة الثالثة فجراً وقتل منهم ٤ واصاب عشرات، منهم ٤ بحالة الخطر واختفى العشرات حتى عُرِف مصيرهم بعد أيام طوال وذلك ما فعله يزيد تماماً حين استباح جنوده المدينة حتى حملت ألف بكر من سفاح نتيجة إباحة كل المنكرات لمرتزقة بني أمية وهو ما حدث للنساء بالسجون الخليفية من تحرش واغتصاب لكثير منهن وقد ثبتت أكثر من حالة لدى الحقوقيين وما خفي كان أعظم.

لقد تجاوز حمد كل الحدود كما فعل يزيد تماماً وبكل صلافة وجرأة كررها مراراً وتكراراً أن كل ما حدث في فترة السلامة الوطنية من انتهاكات وتجاوزات كان بأمره ودرايته التامة، فهل يجوز بعد كل هذا أن نقول له جلالة الملك.

يا من تملكون الضمير الحي أجيبوني، هل من الصدق أن يهتف أحدنا فوق المنصات وفي الساحات هيهات من الذلة وبعد ذلك يناشد القاتل بصاحب السمو الملكي خليفة بن سلمان، هل هكذا توفون للشهداء، هل شعاراتكم "لا تراجع" و"مطالبنا وطنية" و "صمود" هي لبقاء الأسرة الحاكمة وتكميم أفواه الشباب ومنعهم من الدفاع عن النفس لإنها تضر بصورة الثورة، وهل كلامكم وأفعالكم ازدهرت بها ثورتنا ومضت للنصر أم إنكم حولتموها لأزمة سياسية فقط، وأصبح يسقط حمد جلالة الملك بقدرة قادر، وبدل محاكمته لما اقترفت يداه هو وأبنائه تم انزال السقف للمشير والمجلس العسكري فقط فهل هكذا أنتم ماضون للنصر.

تجرعنا السموم والرصاص، أحرقنا وضربنا واغتصب الكثير منا لهدف واضح صدقنا النية للوصول له بالدماء ولن نتراجع عنه وهو اسقاط النظام، صمتنا كثيراً على تقزيمنا وإهانة عقولنا حتى وصلت الأمور للاستهزاء التام بما ندافع به عن أنفسنا وتحقير عددنا والتحدث عنا كأقلية مخربة لا تخدم الثورة وليست لها الحكمة والبصيرة لمواجهة إجرام النظام، ورغم ذلك بقينا صابرون حفاظاً على وحدة الصف، ولكن أن يقال للقاتل جلالة الملك ويطلب منه التدخل للاصلاح فهذه مهزلة لن نصمت عنها، لن نترككم تتحدثون عنا وكأننا ثورة شبابية متخلفة من الدرجة الثانية وأنتم عمالقة السياسة وناقة الله وسقياها بالحنكة العلمية والحكمة الميدانية التي طالما جرحتنا منذ رضيتم بالاشتراك ببرلمان تافه مقيد بيّض وجه النظام وساهم في تلميع صورته.

فلتعلم الدنيا بأسرها إننا الشباب نحن الثورة، نحن الغضب، نحن الكرامة، نحن من قلناها مراراً وتكراراً سنعود بأكفاننا لميدان الشهداء ولم نتردد ونقول "العودة للميدان ليست نصراً"، نحن قطب رحى الثورة، نحن من قدمنا جلودنا المحترقة وأعيننا الدامية وقلوبنا المثخنة بالجراح من أجل اسقاط النظام، نحن علي مؤمن من رجالات الاستاذ عبد الوهاب حسين، نحن عبد الرضا بوحميد عملاق الشهداء وهو تلميذ الاستاذ حسن مشيمع، نحن علي بداح وعلي الشيخ واحمد القطان وأحمد العرنوط وعلي صقر وسيد هاشم سعيد وعلي القصاب الذين مضوا للشهاده بهتاف يسقط حمد وتحت راية اسقاط النظام.

ونحن من نمضي في درب الحسين الذي أعلنها بأشلائه هيهات منا الذلة، فهيهات أن نرضا بحمد حاكماً علينا، نحن عشاقك يا أبا عبد الله، ضحينا وسنضحي بكل ما لدينا من أجل الحرية والإسلام والوطن، وشعارنا شعارك يا أبا الاحرار .. فمثلنا لا يبايع أمثال يزيد وحمد

"ومثلي لا يبايع مثله"

ليث البحرين
٨-١-٢٠١٢

قُتِل أصحاب الأخدود

تمر علينا وقائع التاريخ التي ذكرها أقدس الكتب "القرآن الكريم" مروراً عابراً بالكثير من الأحيان بدون التأمل الجاد بمعانيها، ولعل ذكر النبي موسى عليه السلام هو الأكثر بالقرآن فله الكثير من القصص التي لها عبر خالدة ومن أشهرها قصة سحرة فرعون.

قال تعالى: "فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ، قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ، فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ،قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ".

إن العبرة الحقيقية من وراء حادثة السحرة التي حشر لها فرعون الناس لكي يهزم موسى عليه السلام تكمن في انقلابهم الواعي الراسخ الايمان من معسكر الضلال إلى معسكر النور رغم وعيد وتهديد فرعون المشهور ببطشه والذي أمد الله في عمره ورزق بلده من الثمرات، فقد هددهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ولكنهم ما ترددوا لحظةً بالانقلاب التاريخي للحق وتبيان فساد عقيدة فرعون الذي نفذ وعيده بهم ورغم ذلك قضوا شهداء في سبيل الحقيقة.

ياله من درس للأجيال، فإتباع الحق والتضحية من أجله لابد وأن يكون بصفاء النية ونقاء السريرة، فلم ينتظر السحرة تحرك الناس لإنقاذهم من بطش فرعون، لم ينتظروا أن ينبهر العالم بحكمتهم وقوة سحرهم، ضحوا بكل ما يملكون وهم المنعمون برغد العيش، قدموا أغلى ما عندهم وهي أرواحهم في سبيل الحق، وهكذا ينتصر الثائرون وهكذا يخلد المحاربون من أجل الحرية.

وسأكتفي في ما يلي بطرح ثلاثة أمثلة أخرى لتوضيح الفكرة وترسيخها في الأذهان:

١- تشي غيفارا: هذا البطل التاريخي الخالد، الذي نختلف معه في توجهاته العقائدية والروحية، ونختلف معه في آرائه الفكرية، ولكننا نقف له وقفة احترام وعز بكفل فخر، فأي قائد ثورة منتصر يتخلى عن منصبه وزعامته ونعيمه ليذهب لشتى بقاع الكرة الأرضية ثائراً عالمياً يحس بقلبه وروحه بألم كل صفعة وكف تتوجه لكل حرٍ بالعالم.

وأي نهاية عظيمة اسطورية لك يا غيفارا، لقد ذهب لبوليفيا تاركاً عياله وزوجته رغم مرضه وتعبه واجهاده، استمر ١١ شهراً محاولاً التحشيد للثورة ولكنه اصطدم بحاجزين، خوف الناس من بطش النظام بهم، وانحياز الحزب الشيوعي البوليفي ضده وعدم تجاوبه معه، فترك في منطقة نائية بدون اتصالات ولا تعبئة ولا طعام ومعه عشرات من المقاتلين فقط، وقامت المخابرات العسكرية الأمريكية ومعها القوات الخاصة البوليفية بمراقبته ومتابعته عن كثب حتى تم أسره وإعدامه بعد أن قاسى من الوحدة وقلة الناصرين، لكنه في سبيل الحرية ما انتظر انبهار العالم به ولا تخليده ولا حتى نصرة أهل بوليفيا له، فبقي مقاتلاً حتى آخر لحظات حياته وحين إعدامه قيل أنه عض على ملابسه ولم يصرخ وهم يطلقون عليه النار الذي بتر يديه فمات فاتحاً عينيه ينظر بها قاتله، وخلده التاريخ لرجولته وبطولته.

٢- عز الدين القسام: الشيخ المجاهد الشهيد الذي قاد ثورة انقاذ فلسطين من براثن الصهيونية ولم يلبي نداءه أحد، هاجر من سوريا لفلسطين وجاهد بالله خير جهاده وحين تمت محاصرته في إحدى القرى رفض الاستسلام وقاتل الجيش البريطاني وسلاحه وعديد أنصاره لا يقارن بعدتهم وعددهم وسلاحهم ولكن بسبب عقيدته الجهادية ورغم قلة عدد أتباعه الذين لم يتجاوزوا الخمسة عشر مقاتلاً فقد قتل عشرات من الجيش البريطاني مما اضطر الجيش لفتح الحصار وترك الشيخ وأتباعه يذهبون ولم يصابوا إلا ببعض الجراحات.

اتصل بمفتي فلسطين أمين الحسيني الذي رفض الجهاد بثلاثينات القرن المنصرم ودعا القسام لحل قضية فلسطين بالطرق السلمية لعدم تكافئ القوة العسكرية، طلب العون من الحكام والقادة العرب فكانوا مخبرين ضده، بقي وحيداً مع قلة عدد ناصريه حتى استشهد مع أقرانه، ولكن دمه كان لهيباً في قلوب الثائرين فهو البذرة الحقيقية والسبب الرئيس لتأسيس حركتي حماس والجهاد الاسلامي بعد ٥٠ عاماً، وما كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس إلا شاهداً على انتصار دمه على من قتله وأرداه.

٣- أصحاب الأخدود: قال تعالى: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق".

إنها من روائع قصص القرآن الكريم، فالفتى الذي آمن بكلام الراهب واعتقد بربه هزم إغواء الساحر وكيد الملك حتى أعدمه الأخير بنبلته وهو يقول بسم الله رب الغلام، فانقلب الناس مؤمنون برب الفتى الشهيد وما لبث ملكهم أن حفر أخدوداً عظيماً وجمع فيه الأخشاب والوقود وأشعله وخير الناس بين ترك عبادة الله أو إحراقهم فأبوا الرجوع عن الحق حتى إن أماً تحمل رضيعها بين كفيها ترددت خوفاً من لهيب النار المشتعلة فتكلم بقدرة الجبار مخاطباً والدته: يا أماه اصبري فإنكِ على الحق.

ضحى أصحاب الأخدود بأرواحهم في سبيل الله والدين، لم يبالوا أوقع الموت عليهم أم على الموت وقعوا لأن التضحية في سبيل الحق ولو كان بها فناء القوم عن بكرة أبيهم فهي خير الجهاد وأعظم الطاعات.

فيا عشاق أبي عبد الله الحسين معلم الأحرار، يا من هتافكم هيهات منا الذلة وشعاركم لن نركع إلا لله، قاوموا المعتدين بكل ما تملكون، كونوا حسينيون بجهادكم، قساميون بعطائكم، غيفاريون بثباتكم، ومثل أصحاب الأخدود بصبركم وبذل أرواحكم.

يا شباب ثورتنا لكم منا تحية ملؤها الشموخ، يا من ترفعون رايات العز وتقاومون بكل ما تملكون، كونوا كالحسين تدافعون حتى الموت عن دينكم ونسائكم وعرضكم وشرفكم فوالله إنه أعظم شرف لكم، ولا تأخذكم بالله لومة لائم، وأقولها لكم يا من فجرتم إبداع راية العز وقلبتم المعادلة، قلوبنا معكم وأرواحنا فداء التراب الذي تمشون عليه فواصلوا في درب المقاومة الذي سيثمر بعطاء الدماء والتضحيات نصرنا المؤزر بإسقاط نظام الفاسقين، فصبراً صبراً .. إن للباطل جولة وللحق دولة.

ليث البحرين
٤-١-٢٠١١